للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند مؤرخى الإسلام والمسلمين تأييد لنزعة دينية يراد بها إثبات أن الإسلام هو الذي خلق العرب خلقًا وأنشأهم إنشاءً، فنقلهم من الظلمات إلى النور، ومن العدم إلى الوجود. وهو عند مؤرخى اللغة العربية، وآدابها يرجع إلى الشك في كثير من النصوص الأدبية التي أُثرت عن العرب قبل الإسلام من خطب وسجع وأمثال".

ولا أريد في هذه الكلمة أن أعترض على صاحب الكتاب في وصفه النثر بقوله (الفني) ولا أن أطالبه بحكمة هذا الوصف وإن كنت قد جهدت أن أجد لها معنى يقوم عذرًا لهُ في وضعها فأعيانى الطلب. والواقع أني قرأت الكتاب فلم أعثر فيهِ على حدٍّ أو تعريف لما سمَّاه النثر الفني، وكلما أردت أن أجمع له حدًّا أو تعريفًا من معنى كلامهِ وجدت في غيره من معاني كلامه ما يتفارط عنده ما جمعت لهُ من الرأي. وكان صواب التأليف غير ذلك، لأنهُ جعل هذه الكلمة (النثر الفني) موضع الجدَل بينه وبين خصومه في الرأي من المستشرقين ومن تابعهم في هذا الشرق العربي. وما يقوم الجدل عليه ويقصد القول فيه، لا يصح أن يكون موضع شك أو غموض أو إبهام أو اضطراب.

يقول صاحب الكتاب "هل كان للعرب نثر فني؟ " ونحن نجيب عن هذا السؤال بما نضمنه ما نوافقه فيه وما نخالفهُ عليهِ. فقد كان العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب إلَّا قليلًا من أهل المدن كمكة والمدينة (يثرب قديمًا) وأطراف اليمن ومشارف الشام ونواحي الحيرة، وهؤلاء الكتاب لم يكن لهم تأثير بيّن في الأمة العربية لأن جماعة العرب لم تكن لذلك العهد (قبل الإسلام) تعرف الكتابة والخط ولا كان من همهم ذلك، ولو افترضنا أن هذا العدد القليل الذي وصف بالكتابة كان يكتب وعنينا أنهُ كان يؤلف، بقى الأمر على ما هو عليهِ إذ كانوا -على ذلك- يؤلفون لمن لا يقرأ ولا يكتب. ومع هذا فقد كان العرب يتخذون الكتابة في بعض الأغراض كالعهود والرسائل العظيمة الخطر كالذي يروون مما كتبه لقيط بن يعمر الإيادىّ إلى قومه إِياد بالحيرة يحذرهم كسرى (سابور ذا الأكتاف) وكان قد أجمع على غزو إيادٍ فأرسل لهم لقيط -وكان كاتبًا بديوان كسرى- قصيدتهُ المشهورة التي يقول فيها: