المصمت فلا يزال في تفزُّع وتقلقل يتنزَّى بضغط البخار، فلا يستقر ولا يرجى له أن يستقر.
إننا لا نفقد آمالنا في الحياة إلا أن نفقد الإحساس بالحياة، فنفقد الرغبة فيها، ومادامت لنا في الحياة رغبة أو شهوة، فآمالنا أبدًا حية تتحرك بل تتجدد بل تزيد وتتكاثر، وأيما أمل تعتاقنا عنه ضرورة لا نملكها ولا نُعْطَى القدرة على تصريفها كما نشاء -فهو أمل يتوالد آمالا كثيرة صغيرة تكبر وتتعاظم وبذلك نعيش العيش في حالة تستجيش جيوشا حاشدة من الآمال تقاتل أحكام القدر التي لا تعرف إلا حقيقة الحياة الاجتماعية، ولا تلقى بالا إلى الحياة الفردية المستأثرة الطامعة التي لا تشبع.
ولكن الفرد لا يستطيع أن يحقق وجوده، ويستيقن من قدرته على العمل والإنتاج إلا باتساع فرديته اتساعا يعطيه من الحرية ما يكفل له إرضاء نفسه في بعض آمالها التي يريد أن تتحقق، فإذا استطاع الفرد أن يحقق بعض آماله تحقيقا كاملا، استيقن من حقيقة وجوده، فإذا استيقن من حقيقة وجوده بذلك، كانت قدرته على الحياة أبلغ وأقوى وأمتن وبذلك يكون دائما ثابتا في تقدير أعماله وإتقانها وإيجادها بالقوة الصارمة، فإذا أمكن ذلك، وجدت نفسه في الحياة المضطرمة منفذا تستعين به على تلطف الحياة أو تبريد السعير الملتهب الذي يكتنفها بألسنته المتكلمة بألفاظ من النار اللذاعة.
وإذا بدأ الإنسان يخفق في آماله، ولا يحقق من نوازعها العظيمة شيئا يسكن اليه أو يهدأ عليه، كان إحساسه بنقصان حياته أو ببطلان وجوده عاملا ثائرا دائبا يجعله أبدا في تعذيب من قوة النزاع الهائل بين الحقيقة التي تتطلبها فرديته وشخصيته وبين الأمر الواقع الذي يكفُّه عن الشعور بمعاني هذه الحقيقة في نفسه شعورا واضحا بينًا متمما لإنسانيته.
ولكن بعض النفوس تعيش مهما أخفقت في إدراك تام لحقيقة وجودها وعلى يقين ثابت عن أنها أحق بالوجود من النفوس الغبية الفاترة المتلذذة التي تعيش كما