هي أصل القوانين التي تخضع لها في انشعابها في لغات، وهي أشبه شبهًا بالقوانين التي تفضي إلى تطورها وارتقائها أو انتكاسها. والمؤلف فيما أظن كان عارفًا بذلك كل المعرفة، لأنه قدم في أول هذا الفصل ما يفهم وأنه كالملحق بالفصل الأول، وجاء في أثناء كلامه ما يجعل الشبه بين الفصلين أقرب ما يكون. ولعل الذي دعاه إلى تقديم الأول وتأخير الثالث خطر التطور اللغوى في تاريخ الألسنة، وخفاء شأنه في انشعاب اللهجات. وهذا رأي، ولكني أميل إلى الذي قلتُ به.
هذا عرض الكتاب، رأيت أن أقتصر فيه على هذا القدر. بيد أنى رأيت المؤلف كان يقف من بعض الآراء التي ينسبها إلى أهلها موقف البصير المتعقب، فكان في أكثر الأحيان موفقًا غاية التوفيق، وكان في أحيان قليلة يميل به كرم طبيعته ترجيح رأي قال به عالم كانت بينه وبينه مودة سابقة، أو لعلى مخطئ، فيكون هو من صاحبه أنفذ بصرًا وأهدى فهمًا في حقيقة ما كان يقول به، غير أنه في حجاجه كان مبينًا كل الإبانة عن حقيقة رأيه.
وبقي في الكتاب أشياء كثيرة أخرى لم نتعرض لها بالنقد ولا بالتوضيح، لأن ذلك يقتضيني أن أكتب فيها كلامًا قائمًا بنفسه، فإن موضوع اللغة متشعب تشعبًا يجعل المرءَ أمضى قلمًا في باب التوسع، فلذلك آثرت أن أطوى ذكرها حتى يحين حينها، ونعود إلى بقية آراء المؤلف في سائر كتبه الأخرى، ليكون الموضوع أملأ بالرأي وأَقْوَم بالحجة.
هذا، ولابد لقارئ الكتاب من أن ينتهي إلى رأي لا محيص عنه: هو أنه لابد من دراسة اللهجات العامية في البلاد العربية كلها دراسة تبويب وتقسيم وفهم، ولابد من رد كل طارئ على هذه اللهجات إلى الأصول القديمة التي لا تزال باقية متوارثة في سلائق الشعوب التي تنطق بالعربية إلى يوم الناس هذا، وأن نجعل أكبر همنا أن ننتهي إلى معرفة هذه السلائق المشتركة بين العرب على اختلافهم. فإذا وقفنا على ذلك وعرفناه تمام المعرفة، تيسر لنا أن نَنمِّى هذه السلائق، وأن نعلمها العربية على هدى من قوانينها الثابتة، وبذلك تجري العربية