شطر قصر عابدين في ١٨ يناير سنة ١٨٩٣ لكي يؤيدوا هذا الفتى فيما فعل. وكان هذا اليوم عجبًا في تاريخ مصر، دل على أن هذا الشعب لا يغفل عن حقوقه، ولا ينام عن عدو أو صديق، وإن ظن الجاهل به أنه راضٍ ساكن قانع بما كتب له أو عليه. ومن يومئذ ظل عباس يناوئ بريطانيا وعميدها كرومر مناوأة العنيد الذي لا يهاب.
ولسنا نشك في أن شوقى "شاعر الخديو" قد استفاق يومئذ على روعة هذا العمل الذي اجترأ عليه هذا الفتى الغرير عباس الثاني، كما استفاق خلق كثير ممن أُبْلِسُوا (١) حيرةً وذهولًا بعد احتلال بلادهم في عهد سلفه توفيق. ومن يومئذ، فيما نظن، بدأ شوقي يتطلب أن يكون شعره صدى يردد صوت الأمة المصرية والأمم العربية والإسلامية التي حاق بها بلاء الاستعمار. فماذا فعل؟
في سبتمبر من سنة ١٨٩٤، أي بعد هذه الحادثة بسنة، أُوفِد شوقي مندوبًا إلى المؤتمر الشرقي المنعقد في مدينة جنيف، ويومئذ قال قصيدته المشهورة. (ج ١: ١)
وهي، كما قال هو في ديباجتها:"قصيدة تاريخية تتضمن كبار الحوادث في وادي النيل من يوم قام إلى هذه الأيام"، وفي هذه القصيدة أول شعر لشوقى تجد فيه إشارة إلى احتلال الغزاة البريطانيين لأرض وادي النيل، بعد سكوته في عهد توفيق، وذلك إذ يقول في ذكر الخديو محمد توفيق:
وغزيرِ الهُدَى من "الحمد والتو ... فيقِ" صيغت لذاته الأسماءُ
بثَّت العدْلَ راحتَاه، وعزَّتْ ... في حماهُ العلوم والعلماءُ