كالفراعنة والقياصرة ومن إليهم، حتى صار شعره أشبه بسجل تاريخى لقديم هذا العالم وحضاراته. وأكبر الظن أن شوقى ظل يبحث عن الشعر الوطنى فخيل إليه أن هذا الذكر المردَّدَ للأسماء كافٍ وحده في أن يجعل شعره مذكورًا في الشعر الوطنى. والحق أنه ليس كذلك، وإن كان بعضه مما يدخل هذا المدخل على ضعف شديد. وكذلك أخفق شوقى كما أخفق حافظ في التهدى إلى حقيقة الشعر الوطنى والقومى.
* * *
بيد أنه ليس من الإنصاف في شيء أن نغفل أكبر يد أسداها حافظ وشوقى إلى الأمم العربية والإسلامية. ذلك بأنهما كانا شاعرين يستجيدان الكلام، وإن أخطآ وضلا عن الصواب، وأنهما كانا رائدين لهذا الجيل العربي بعد البارودى، وأن شعرهما قد علم مئات من الكتاب والشعراء في كل نواحي البلاد العربية، وأن تلهف الناس كان على شعرهما هو الذي أغرانا جميعًا ببذل الجهود في دراسة العربية ودراسة تاريخها وآدابها، وأنهما كانا من طلائع النهضة العربية الحديثة في هذا القرن العشرين. فإن كانا قد أخطآ وضلّا، فقد أيقظا ناسًا صاروا مددًا لهذه القوة الجياشة التي سوف تدفع بلاد العرب والمسلمين إلى التحرر من ربقة الاستعمار، ومن أوزار الجهل والتشتت والفرقة، وتجمعهم يدًا واحدة لكي ينشؤوا للعالم حضارة جديدة كالتي أنشأها آباؤنا من قبل، تأنف لنفسها أن تستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.