ستصيبُ في لين هذا البحر، وفي حسن تقلبه معك، وفي سماحته وسخائه بما لا يسخو به بحر غيره - ما تشاءُ من الروح والراحة.
فإن لم تسغه، ولم تسغ أبيات قصيدتى هذه، فاجعلها في الشعر كقصيدة عبيد بن الأبرص التي قال فيها ابن كناسة "لم أرَ أحدًا ينشد هذه القصيدة على العروض"، والتي قال فيها القدماء من شيوخنا: إنها "شعر مهزول غير مؤتلف بناء" وأنها "لكثرة ما دخلها من الزحاف كادت أن لا تكون شعرًا"، ثم عدّها شيوخ آخرون من الملحق بالسبع الطوال (المعلقات)، أو من المجمهرات. يحقّ لهم أنّ يعدوها كذلك، فهي من بارع الشعر وفاخره ولم يعبها أنها مهزولة غير مؤتلفة البناء، تكاد تخرج عن مدارج الشعر. فإذا لم تستطع أن تسيغ من قصيدتى هذا ولا ذاك، فاطرحها عنك، فما أظنك تخسر إن فعلت قليلا أو كثيرًا.
وأرجو أن لا تعدنى مجددًا أو مخترعًا في بحر من بحور الشعر، فما ذاك أردت، ولا هذا فعلت، ولكني رأيت تفاعيل هذا البحر مطيقة للحركة الشاذة، مطيقة للاحتمال. نغم لم يألفه بحرها المقيد، مطيقة للتوجه بى حيث توجهت، فامتطيتها مما شئت فأطاعتني، ولم أنكر من طاعتها شيئًا، واستوت معى على الطريق.
وعسى أن يأتي يوم أبلغ فيه مرضاتك، وأكتب في شأن هذا البحر كلامًا متصلا، حتى تعرف رأيي فيه بأسلوب علمي محضٍ، ولك مني أجزل الشكر والسلام.