للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُلّ هذا، ومع أن بريطانيا استطاعتْ أن تبعدنَا عن كلمة الحريّة في أوسع معانيها، وأن تميت هممًا وتثبّط عزائم، وتهلك نفوسًا، وبرغم سيادة المعتدلين على الرأي العامّ، وسيادتهم على الدستور، وسيادتهم على الحكومة وسيادتهم على الصحافة والأقلام، فأنا أثق بشيء واحدٍ، أثق بشعبِ مصر والسودان، كما أثق بسائر شعوب بلاد الشرق وبلاد العرب وبلاد الإسلام. وإني لأرى خلالَ هذه الظلمات نجومًا تلمع، وكواكب تتوهَّج، وعَزَائم تنبثقُ، وأمواجًا تجيشُ في قرارة هذه الشعوب. وستأتي الساعة في ميقاتِها، وسنهبُّ هبَّةً واحدة، فننفض الغبار العتيق، ونعصف بالقيود، قيودِ الاستعمار وأعوان الاستعمار. وسنهتدى إلى الطريق التي نهجها الأحرارُ في كُلّ مكان، ليسلكهَا الأحرارُ من كُلّ أُمَّةٍ. وإذا كان كيد بريطانيا في سياستها الدائبة الملحّة، لم يُردْ إلّا الشَّعبَ وحده، ولم يقصد إلا تدمير هذا الشعب وحده، فعَلَينا نحنُ أن نبدأ جِهادنا في الميدانِ الذي أرادته بريطانيا، نجاهد في هذا الشَّعْب وحده من أجل هذا الشَّعْبِ وحده، نذكره بالحرية التي نَسِيَها في مكر بريطانيا، ونُعينُه على أن ينشيء حياةً أخرى غير الحياة التي دبّرتها له بريطانيا، علينا وعليكم يا رجال هذا الحزب ويا شبابه، أن تحملوا شُعْلة الحريَّة إلى كُلّ قلب، وأن تنفثوا روح الحرية في كُلّ عَمَل، وأَن تطاردوا شيطان المستعمر في كُلّ بقعة وفي كُلّ نفس، وأن تعلّمُوا أنفسكم وتعلّموا الناس كيف يعيش الحُرُّ بالحُرّية -لا بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان ولا بمناصب الوزارة، ولا بعضوية البرلمان. أوقدُوا نَارَ الحرَّية وألقوا فيها خبائث العبودية والذلَّ والاستعمار، واعلموا أن مِصْر والسودان تموتُ الآن على يد فئة من أبناء مصر والسودان، فكونوا أنتم حياةَ مصر والسودان، بل حياة بلاد العرب، وبلادِ الشرق، وبلاد الإسلام.