للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيها الناس: إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله عليه وسلم يطيق. إن الله اطفي محمداً على العالمين وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع. فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني، وإن رسول الله عليه وسلم قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوْط فما دونها. ألا وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله. فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قوماً نسوا في مهل آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم (فإياكم أنى تكونوا أمثالهم، الجد الجد، والنجاء النجاء، والوحا الوحا، فإن وراءكم طالبا حثيثاً، أجلا مُرّه سريع. احذروا الموت، واعتبروا بالآباء والأبناء والإخوان، ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات. ذكره ابن كثير والطبري (١). (٦١)

(٢١) خطبة للصديق في الإخلاص والاعتبار.

وخطب أيضا، فحمد الله وأثني عليه ثم قال:

إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أُريد به وجهه، فأريدا الله بأعمالكم. واعملوا أن أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها، وحظ ظفر ثم به، وضرائب أديتموها، وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم.

اعتبروا عباد الله بمن مات منكم، وتفكروا في من كان قبلكم، أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الجبارون الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في الوطن الحروب؟ قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميماً،


(١) ص ٣٠٣ ج ٦ البداية، و ٢١١ ج ٣ تاريخ الطبري (الخبر في أمر الإمارة) و (المظلمة) بكسر اللام: ما أخذه الظالم، وبفتحها مصدر ظلم. و (النجاء والوحا) الإسراع، يقال: وحي وتوحي: أسرع. و (الغبطة تمني مثل ما للغير من غير أن يريد زوال نعمته عنه.