للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين. ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور (١)،

واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

عباد الله: إنكم لم تخلفوا عبثاً، ولن تتركوا سدى. حصنوا إيمانكم بالأمانة، ودينكم بالورع، وصلاتكم بالزكاة، فقد جاء فى الخبر أن النبى صلى اله عليه وسلم قال: " لا إيمان لمن لا أمانة له (٢) ولا دين لمن لا عهد له (٣)،


(١) الآزفة: القيامة، سميت لقربها كما قال تعالى: " أزفت الآزفة " أى قربت القيامة. و (لدى الحناجر) أى أن القلوب من شدة الخوف انتقلت إلى الحناجر ووقفت فيها، فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها. و (كاظمين) أى ساكتين، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى. ومكروبين: ممتلئين خوفاً وحزناً .. والكظم: تردد الخوف والغيظ والحزن فى القلب حتى يضيق به (ما للظالمين) أنفسهم بالشرك والمعاصى (من حميم) أى قريب ينفعهم (ولا شفيع يطاع) فيشفع فيهم. و (خائنة الأعين) أى خيانتها بمسارقة النظر إلى ما لا يحل (وما تخفى الصدور) من السرائر والوساوس والنوايا.
(٢) أى لا إيمان كامل. فالأمانة لب الإيمان. وهى منه بمنزلة القلب من البدن. وهى ثلاثة أقسام:
(أ) الأمانة فى العبادة بفعل المأمورات واجتناب المنهيات. وهى لازمة فى كل عبادة حتى الوضوء والغسل.
(ب) والأمانة فى الأعضاء السبعة: اللسان والعين والأذن واليد والرجل والبطن والفرج، يحفظهما عما لم تخلق له، بأن يحفظ لسانه من الكذب والغيبة والنميمة ونحوها.
ويغض بصره عن المحرم، ولا يستمع اللهو والقحش والكذب ونحوها، ويكف باقى الأعضاء عن المحرم.
(جـ) والأمانة مع العباد برد الودائع والعوارى إلى أربابها بقوله: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، فمن ضيع جزءاً منها ضعف إيمانه بقدره، ومن ضيع الكل خرج عن الإيمان.
(٣) المراد بالدين: الخضوع لأوامر الله ونواهيه. والمعنى أن من جرى بينه وبين غيره وعد ثم لم يف لغير عذر شرعى، فدينه ناقص. هذا والحديث أخرج الجملتين الأوليين منه أحمد وابن حبان عن أنس بسند قوى. انظر رقم ٩٧٠٤ ج ٦ فيض القدير.

وأما الجملة الثالثة فلم أقف عليها مرفوعة، بل أخرج معناها ابن كثير عن ابن مسعود قال: أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له (١٥) (وقال) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ابى الله يقبل الصلاة إلا بالزكاة (١٦).