للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لجديرة بقصر المدة، وإن غائباً يحدوه الجديدان (١) الليل والنهار، لحرى بسرعة الأوبة، وإن قادماً يحل بالفوز أو بالشقوة، لمستحق لأفضل العدة، فاتقى عبد ربه ونصح نفسه، وقدم توبته وغلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية ليركبها، ويمينه التوبة ليسوفها حتى تهجم عليه منيته أغفل ما يكون عنها، فيالها حسرة على ذى غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو تؤديه أيامه على شقوة. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة (٢)،

ولا تقصر به عن طاعته غفلة، ولا تحل به بعد الموت فزعة. إنه سميع الدعاء وبيده الخير. وإنه فعال لما يريد. (٩٤).

مغزى الخطب السابقة

(فهذه) ثلاث وخمسون خطبة، منها سبع عشرة خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم، وهى كما ترى تدور على بيان أصول العقائد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما فيه من الجنة والنار وغيرهما، وعلى ما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعده لعدائه وأهل معصيته، وعلى ما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعده لعدائه وأهل معصيته؛ فتملئ القلوب من خطبته صلى الله عليه وسلم -إيماناً وتوحيداً ومعرفة بالله تعالى -فهى لا كخطب غيره التى إنما تفيد أموراً مشتركة بين الخلائق، وهى النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل فى القلب إيماناً بالله، ولا توحيداً له، ولا معرفة خاصة، ولا تذكيراً بأيامه، ولا بعثاً للنفوس على محبته، والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون. وتقسم أموالهم، ويبلى التراب أجسامهم. فياليت شعرى أي إيمان حصل بهذا؟ وأى توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟

ومن تأمل خطب النبى صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه، وجدها


(١) حداه يحدوه حدواً: حثه على السير.
(٢) (تبطره) أى تطغيه، من مبطر وهو الطغيان بالنعمة ..