للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الله جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التى تحببه إلى خلقه، وايامه التى تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذى يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته واسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد وخفى نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوماً تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به؛ فجعلوا الرسوم والأوضاع سنناً لا ينبغى الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التى لا ينبغى الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر؛ فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها (١).

هدى الصدر الأول فى الخطابة

كانت الخطب فى الصدر الأول لها المكانة العالية والمقام الأسمى. كانوا ينتقون من جواهر الألفاظ أعذبها وأظرفها أحلاها، ومن المعانى ارقها وأدقها وأغلاها، وكانوا يضمنونها آيات من كتاب الله تعالى لتزداد حلاوة وطلاوة، حتى إنه ليعاب على خطبة ليس فيها آية من القرآن الكريم. بلغت زمن الخلفاء الراشدين عنفوان شبابها (٢)، فإن القرآن بما اشتمل عليه من أبدع الأساليب، أعانهم على الخوض فى عباب التفنن فى دائرة الإرشادات الجاذبة بمغناطيسها الأفئدة. وكانوا لا يتقيدون بوقت، بل كلما دعت الحاجة اجتمعوا، فألقيت عليهم استشارة أو وعظ أو تذكير أو إعلان أمر ... إلخ.

كان الخطيب إذا قام لأمر ما سحر الألباب، وملك بمرصعات المواعظ ما لا يملك بمرهفات السيوف والرماح (٣) يؤلف بين من تفرق، ويسكن


(١) ص ١١٦ ج ١ زاد المعاد (وكذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسام)، (والفقر) جمع فقرة كسدرة: وهى آخر السجعة.
(٢) عنفوان الشئ: أوله.
(٣) رهف السيف أرهفه: رققه، ورهف ككرم: دق ولطف.