للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفتن، ويزيل المخاصمات، ويقطع المنازعات، يقيمهم إن شاء الله، ويقعدهم إن أراد بقوة اقتداره وشدة تأثيره. وكانت الخطابة يقوم بها الخلفاء الراشدون والرؤساء العظام، وكانت موضع احترام. كان يخطب الخطيب قائماً إلا خطبة النكاح، آخذاً بيده عصاً أو مختصرة أو قناة (١) أو غير ذلك.

فلما جاءت الدولة المروانية واستولى الترف (٢) وعمّ، وتولى كرسى المملكة الوليد بن عبد الملك بن مروان، بدأ يخطب- وااسفاه- جالساً، ترفعاً منه واستهانة بهذا الموقف الجليل.

ومن هذا أخذت الخطابة فى الاضمحلال والتلاشى، فكان آخر خطيب آجاد من أئمة الإسلام المأمون بن هارون الرشيد من خلفاء الدولة العباسية، وترك الملوك الخطابة ووكلوا أمرها كغيرها من الأمور لغيرهم، فصارت منحطة القدر بعد الرفعة، وموضع الاستهانة بعد التجلة، تولاها أناس ما قدروها حق قدرها، وما دروا المقصود منها بجهالتهم المطبقة، حتى إنك لو طالبت أحدهم بتغيير الخطة المتبعة بما يستدعيه الزمان، ما أجابك إلا بقوله: لا يمكن للنفوس الآن أن تتزحزح هن غيها، وإن الخطب الآن هى من قبيل الرسوم، فلا حول ولا قوة إلا بالله (٣).

(٤) الجماعة فى الجمعة

يشترط لصحة الجمعة أن تكون فى جماعة، وعليه أجمع العلماء، إلا أنهم اختلفوا فىالعدد الذى تنعقد به الجمعة (فقال) ابو حنيفة ومحمد والأوزاعى والثورى: أقله ثلاثة سوى الإمام، واختاره المزنى والسيوطى، لأن الجمع الصحيح إنما هو الثلاث، لأنه جمع تسمية ومعنى، ولأن قوله تعالى فى الآية:


(١) المخصرة، بكسر الميم: قضيب ونحوه. والقناة: الرمح.
(٢) الترف بفتحتين: النعم.
(٣) من ص ١٨٨ إلى هنا كان الكلام فى الشرط الثالث من شروط صحة الجمعة وهو الخطبة.