للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(قال) الحافظ: واستدل جماعة من اصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة. ويكفى فى رد ذلك تصريح عائشة فىالحديث بقولها: وليستا بمغنيتين، فنفت عنهما منطريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذى تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة، وعلى الحداء (١) ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير تهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح.

قال القرطبى: قولها: ليستا بمغنيتين. أى ليستا بمن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك. وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذى يحرك الساكن ويبعث الكامن. وهذا النوع إذ كان فى شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما منالأمور الحرمة لا يختلف فى تحريمه.

وأما ما ابتدعته الصوفية فى ذلك فمن قبيل ما لا يختلف فى تحريمه. لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت منكثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة.

وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب صالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سَنىّ الأحوال (٢). وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرفة (٣).


(١) الحداء كغراب: الغناء للإبل حثاً لها على السير.
(٢) السنى: بفتح السين وسر النون وشد الياء: الكامل.
(٣) ص ٣٠٣ ج ٢ فتح البارى (الحراب والدرق يوم العيد) و (المخرقة) يقال: خرف الرجل خرفاً فهو خرف، من باب تعب: فسد عقله لكبره.