للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فإن قيل) كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه (قيل) أن المراد نوعان: مراد لنفسه ومراد لغيره. (فالمراد) لنفسه مطلوب ومحبوب لذاته وما فيه من الخير. والمراد لغيره قد لا يكون مقصودا لمن يريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوره ومرادهن فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث أنه وسيلة إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما. وهذا كدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتاكل إذا علم أن في قطعة بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه واردته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفي عليه خافية. فهو سبحانه يكره الشيء وقد يريده لكونه سببا إلى أمر هو محبوب إليه. (من ذلك) أنه خلق إبليس الذي هو سبب فساد الأعمال والاعتقادات، وسبب لشقاوة كثير من العباد وعملهم بما يغضب الرب سبحانه وتعالى، وهو السعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة الله تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها (منها) أنه يظهر للعباد قدرة الله تعالى على خلق المتضادات المتقابلات. فخلق هذه الذات التي هي أخبث الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي سبب كل خير.

كما ظهرت في خلق الليل والنهار والدواء والدراء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر، وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات وقابل بعضها ببعض وجعلها محال تصرفه وتدبيره، فخلو العالم عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفة وتدبير ممتلكته (ومنها) ظهور آثار أسمائه القهرية. مثل القهار، والمنتقم، والضار، والشديد العقاب، والسريع الحساب، وذي البطش الشديد، والخافض، والرافع، والمعز، والمذل، فإن هذه الأسماء والأفعال كمالات