للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عدوه ويعصمه من كيده واذاه إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها.

(هذا) وأعلم أن الله تعالى لم يخلق شرا محضا من جميع الوجوه فإن حكمته تابى ذلك، فلا يمكن في جانبه تعالى أن يريد شيئا يكون فاسدا من كل وجه لا مصلحة في خلقه بوجه ما. فإنه تعالى بيده الخير كله، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير. والشر إنما حصل لعدم النسبة إليه، فلو كان غليه لم يكن شرا وهو من حيث نسبته إليه تعالى خلقا ومشيئة ليس بشر، والشرب الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه. والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير. وبهذا يظهر رد الله تعالى على المشركين بقوله (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) (١٤٨) سورة الأنعام. وإيضاح ذلك أن أسباب الخير ثلاثة: الأبجاد والإعداد والإمداد. فإيجاد الشيء خير وهو إلى الله، وكذلك إعداده وإمداده. فإذا لم يحدث فيه إعداد ولا إمداد، حصل فيه الشر. وهذا يسمى بالتخلية أي أن خلى الله بين العبد وبين نفسه ولم يمده بأسباب الوقاية من الشر وقع فيه.

(فإن قيل) كيف يرضى لعبده شيئا ولا يعينه عليه (قيل) لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له. وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه تعالى من محبته لتلك الطاعة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) (٤٦) سورة التوبة. أخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو طاعة، فلما كرهه منهم ثبطهم عنه. ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي تترتب على خروجهم مع رسول الله صلى