(فهذا) الحديث صريح في أنه يجوز للعبد أن يتوسل بعمله الصالح إلى الله تعالى، وأنه ينفعه عند الشدة. (الثاني) التوسل إلى الله تعالى مستشفعاً بأحد من خلقه فيما يطلبه العبد من ربه. وهو جائز اتفاقاً، لما تقدم أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس وقال: اللهم أنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. أخرجه البخاري [٦١] تقدم بالأصل اثر ٢٦ ص ١٤٥. (واستسقى) معاوية بن أبى سفيان بالأسود بن يزيد من كبار التابعين (تقدم أثر ٢٧ ص ١٤٦) وقد كان توسلهم بمن ذكر أن يدعو المتوسل به ويدعو القوم معه فهو شفيع لهم وسائل لا مسئول. (الثالث) التوسل إلى الله تعالى بالأقسام عليه بأحد من خلقه، وهو ممنوع عند الجمهور، لأنه لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم في الاستسقاء ونحوه، لا في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد موته، ولم يثبت في دعاء من الأدعية الصحيحة. (وأفتى) العز بن عبد السلام بمنعه إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلاً بحديث الضرير رقم ٣٧٥ ص ٢٦٧. وتبعه الشوكاني وغيره. وعليه الجمهور قالوا: قوله: أسألك وأتوجه إليك بنبيك؛ سؤال بالذات وقسم "ومنعه" ابن تيمية وغيره من الحنبلية مطلقاً وقالوا: الباء في قوله: أتوجه إليك بنبيك للسببية لا للقسم. والمعنى أسألك وأتوجه إليك بسبب محمد صلى الله عليه وسلم، فيرجع إلى الحالة الثانية وهي التوسل بمعنى الشفاعة. (ومما تقدم) تعلم أن التوسل المشروع بالاتفاق هو التوسل بالعمل الصالح، وبالغير على أنه شفيع وسائل لا مسئول، بل المسئول والمقصود هو الله تعالى، لأنه هو النافع الضار المعطي المانع الفعال لما يريد. (وأما) ما يقع من العوام وأشباههم مخالفاً لذلك، فغير مشروع. ترى أحدهم إذا نزل به أمر خطير، ترك دعاء الله تعالى ودعا غيره، فينادي بعض الأولياء كالشافعي والبدوي والدسوقي والسيدة زينب والرفاعي والبيومي، معتقداً أنهم أرباب التصريف ولا يخطر له على بال دعاء الواحد القدير، الفعال لما يريد، ناسياً قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس [٣٧٩] وهو بعض الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية، وأوله: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت (الحديث). وما نشا هذا إلا من الجهل وعمي البصائر. نسأل الله السلامة والوقاية.