مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر. بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه أخرجه الجماعة (١){١٤٢}.
والمعنى أنه بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بيديه إلى القفا. ثم ردهما إلى المكان الذي بدا منه وهو مبتدأ الشعر. ويؤيد هذا قوله "بدأ بمقدم رأسه" ولا يشكل عليه قوله "فأقبل بهما وأدبر" لأن الواو لا تقتضي الترتيب. وعند البخاري من حديث عبد الله بن زيد بلفظ: فأدبر بيديه وأقبل.
والحديث يدل على مشروعية مسح جميع الرأس، والمسح شرعا إصابة بلل غير مستعمل عضوا أو شعرا، سواء أكانت الإصابة بيد أم غيرها، حتى لو أصاب المطر قدر المفروض من رأسه أجزأه وإن لم يمسحه باليد.
هذا. والآية لا تقتضي تعميم الرأس بالمسح، لأن الباء في قوله "وامسحوا برءوسكم" للإلصاق. فالمعني ألصقوا المسح بها. وماسح الكل والبعض كلاهما ملصق المسح بها. ولذا اختلف العلماء في قدر المفروض مسحه. (فأخذ) مالك وأحمد والمزني بالاحتياط، فأوجبوا مسح كل الرأس عملا بالحديث، وعن بعض المالكية أنه يكفي مسح الثلث والثلثين. (وأخذ) الشافعيون باليقين. فأوجبوا أقل ما يطلق عليه أسم المسح. وقالوا: يكفي مسح شعرة أو بعضها بحد الرأس "لما صح" من مسحه صلى عليه وعلى آله وسلم على ناصيته وعمامته. وهو يدل على الاكتفاء بمسح البعض، ولأن الباء الداخلة على متعدد كما في قوله "وامسحوا برءوسكم" للتبعيض.
(وقال) الحنفيون: المفروض في مسحها قدر الربع، لأن باء الإلصاق إذا دخلت على المحل تعدي الفعل إلى الألة، فيكون التقدير: وامسحوا أيديكم
(١) انظر ص ٣٠٦ ج ٢ تيسير الوصول (صفة الوضوء) وص ٣٤ ج ٢ - الفتح الرباني.