للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. أخرجه السبعة إلا البخاري (١). {١٠٢}

... (والأحاديث) في هذا كثيرة وكلها تدل على أن الميت ينتفع بعمل الحي من دعاء وصلاة وصدقة وصيام وحج، وغير ذلك من أنواع البر، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء. وبه قال جمهور أهل السنة منهم الحنفيون وأحمد.

... وقد أمر الله تعالى بالدعاء للوالدين بقوله:

... "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" (٢).

... وأخبر باستغفار الملائكة للمؤمنين، قال تعالى:

... "والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض" (٣).

... وقال: "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" (٤).

(فهذه) الأدلة تفيد القطع بحصول الانتفاع بعمل الغير، ولا ينافيه قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعي" (٥)، لأن المؤمن إذا عمل عملا


(١) انظر ص ٨٥ ج ١١ نووي (ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته) وص ١٢٩ ج ٢ مجتبي (فضل الصدقة عن الميت) ص ٧٧ ج ٣ عون المعبود (الصدقة عن الميت- الوصايا) وص ٢٩٨ ج ٢ تحفة الأحوذى (الوقف- الأحكام) ومعنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته فلا ثواب له بعد إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه وكذا العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف وكذا الصدقة الجارية.
(٢) سورة الإسراء: آية ٢٤.
(٣) سورة الشورى: آية ٥.
(٤) سورة غافر: آية ٧
(٥) صورة النجم: آية ٣٩ (ودعوى) نسخها غير مسلمة لأنها من الأخبار، والنسخ لا يجري في الخبر (وجعل) اللام في "للإنسان" بمعنى على (بعيد) من ظاهر الآية وسياقها لأنها عظة لمن تولى وأعطى قليلا وأكدى (أي أمسك عن العطاء) نزلت في الوليد بن المغيرة سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه فوعظه فرغب في الإسلام وطمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين فقال: أتترك ملة آبائك؟ أرجع إلى دينك وأنا أتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإسلام وضل ضلالا بعيدا وأعطى بعض المال للرجل ثم أمسك عنه وشح (قال) الشوكاني في تفسيره: ولم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصصه؛ فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصا لما في هذه الآية من العموم (أنظر ص ١١١ ج ٥ فتح القدير).