ولا يتخذ قدوة فيه، فكيف بغيرهم إذا كان قوله مخالفا للنصوص الصريحة في الكتاب والسنة. (فإن قيل) إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة (قيل) إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك بل أجاب كلا عن سؤاله، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذى له، وهذا سأله عن الصدقة فأذن له، ولم يمنعهم مما سوى ذلك. وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك، وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ "والقائل" إن أحدا من السلف لم يفعل ذلك "قال" ما لم علم له به فإن هذه شهادة على نفي ما لم يعلم. فما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه بل يكفي إطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم لا سيما والتلفظ بنية الإهدار لا يشترط كما تقدم (١). (ورد) بأنه ما من نوع من أنواع البر المشروعة إلا وقد نقل عن الصحابة والسف الصالح فيه الكثير الطيب حتى الصدقات التي صرح القرآن بتفضيل إخفائها على إبدائها تكريما للفقراء وسترا عليهم ولما قد يعرض فيها من المن والأذى والرياء المبطلة لها.
وقراءة القرآن على القبر ليست كذلك حتى إن المراءاة بها مما لا يكاد يقع لأن من يقرأ لغيره لا يعد من العباد الممتازين على غيرهم فيكتمها خوف الرياء. فلو كانت القراءة عند القبر مشروعة لفعله السلف ولنقل إلينا منه الكثير، ولكنه لم يكن.
... (فالراجح) الذي تشهد له الأدلة الثابتة أن قراءة القرآن عند القبر مكروهة لأنه لم يثبت فيها حديث مرفوع صحيح ولا حسن ولم ينقل عن أحد من الصحابة ولا التابعين. ولذا قال الإمام أحمد: القراءة عند القبر بدعة. وتقدم الجواب عما استند إليه القائلون بالاستحباب. والله الموفق للصواب.