للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (١)


(١) سورة البقرة: آية ١٨٧. و (الرفث) الجماع وعدي بإلى لتضمنه معنى الإفضاء. وجعل كل من الزوجين لباساً للآخر لأنه يستره عند الجماع عن أعين الناس ولامتزاج كل منهما بالآخر عنده و (تختانون أنفسكم) أي تخونونها بالمباشرة في ليالي الصيام. وسماهم خائنين لأنفسهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم (فتاب عليكم) أي قبل التوبة من خيانتكم لأنفسكم أو خفف عنكم بإباحة الطعام وتناول المفطرات ليلاً. (وعفا عنكم) أي تجاوز عما ارتكبتم من الخيانة أو وسع وسهل لكم في الأمر (وابتغوا ما كتب الله لكم) أي اطلبوا الولد بمباشرة نسائكم والمراد بالخيط الأبيض الفجر الصادق المعترض نوره في الأفق وبالخيط الأسود سواد الليل (وقد) دل على هذه الأحوال حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال (الحديث) وفيه "وأما أحوال الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام فصام سبعة عشر شهراً من ربيع الأول إلى رمضان من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء ثم إن الله تعالى فرض عليه الصيام فأنزل (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً فأجزأ ذلك عنه .. ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام. فهذان حالان. وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا. فإذا ناموا امتنعوا. ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صرمة بن قبس ظل يعمل صائماً حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح نائماً فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهداً شديداً قال "ما لي أراك قد جهدت جهداً شديداً قال: يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت وأصبحت صائماً وكان عمر قد أصاب من النساء- من جارية أو من حرة- بعد ما نام وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى "أحل لكم ليلة الصيام- الآية" أخرجه احمد وأبو داود والبيهقي وهو مرسل صحيح السند فإن ابن ابي ليلى لم يدرك معاذاً (انظر ص ٢٣٩ ج ٩ - الفتح الرباني- الأحوال التي عرضت للصيام. وص ١٥١ ج ٤ - المنهل العذب المورود- كيف الأذان).