(وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" أخرجه أحمد والشيخان (١){٥١}
ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسخى الناس وأكرمهم لأن نفسه صلى الله عليه وسلم أشرف النفوس ومزاجه أعدل الأمزجة، فلابد أن يكون فعله أحسن الأفعال، وخلقه أحسن الأخلاق. وكان جوده وكرمه في رمضان أكثر منه في سائر الأوقات. وفي الحديث فوائد: استحباب الإكثار من العطاء في رمضان ولا سيما عند ملاقاة الصالحين للتأثر بلقائهم، واستحباب زيارة أهل الصلاح والفضل ومجالستهم وتكرير ذلك إذا كان فيه مصلحة، وأن قراءة أفضل من التسبيح والتحميد وسائر الأذكار.
(١) انظر ص ٢٢٨ ج ٩ - الفتح الرباني (فضل رمضان والعمل فيه) وص ٨٢ ج ٤ فتح الباري (أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان). و (المدارسة) القراءة بالتناوب. والظاهر أن جبريل عليه السلام كان يسمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ويقرؤه عليه ليزداد حفظاً. و (المراسلة) شبه عموم جوده وشمول نفعه بالريح المرسلة. وإنما هذا للتقريب من العقول وإلا فشتان ما بين الأمرين فإن جود النبي صلى الله عليه وسلم يحيي القلوب بعد موتها. والريح تحيي الأرض بعد موتها بما تحمله من الغيث. ولما كان ابن عباس يريد بيان تفاضله صلى الله عليه وسلم في الجود أشار إلى السبب الموجب لكثيرة جوده صلى الله عليه وسلم وهو كونه في رمضان وعند ملاقاة جبريل عليه الصلاة والسلام. أما رمضان فإنه شهر عظيم وفيه الصوم وهو من أشرف العبادات. وأما ملاقاة جبريل عليه الصلاة والسلام فإن فيها زيادة ترقي الغبي صلى الله عليه وسلم في المقامات وزيادة اطلاعه على علوم القرآن. وكان ينزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان ولم ينزل إلى غيره من الأنبياء في هذا الشهر. وكان يدارسه القرآن في رمضان لتجديد العهد واليقين.