تقبل منهم حتى يسلموا فإن امتنعوا من ذلك وضعف المسلمون انصرفوا، إلا إن خيف على من يليهم من المسلمين. وتسن الدعوة قبل القتال لمن بلغته، ويحرم قبلها لمن لم تبلغه (١) وقيد ابن
القيم وجوبها واستحبابها بما إذا قصدهم المسلمون، أما إذا كان الكفار قاصدين فللمسلمين قتالهم من غير دعوة دفعًا عن نفوسهم وحريمهم. وأمر الجهاد موكول إلى الإِمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك، وينبغي أن يبتديء بترتيب قوم بأطراف البلاد يكفون من بإزائهم من المشركين، ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم ويؤمر في كل ناحية أميرًا يقلده أمر الحرب وتدبير الجهاد، ويوصيه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة، ولا عقل عليه ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته، فإن عدم الإِمام لم يؤخر الجهاد، فإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع، فإن بعث الإِمام جيشًا وأمر عليهم أميرًا فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم (٢) ويكره نقل أهله من الذرية والنساء إلى الثغر، والحرس في سبيل الله ثوابه عظيم (٣).
(فصل) وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة (٤) وتجب على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهي ما يغلب فيه حكم الكفر (٥) زاد جماعة أو بلد بغاة أو
بدعة مضلة كرفض واعتزال إن قدر عليها ولو امرأة ولو في عدة بلا راحلة ولا محرم (٦) وتسن لقادر على إظهاره ولا يجاهد تطوعًا من عليه دين
(١)(لمن لم تبلغه) الدعوة لحديث بريدة قال "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أمره بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين، وإذا لقيت عدوك، من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك إليها فأقبل منهم كف عنهم: ادعهم إلى الإِسلام فإن أجابوك فاقبل منهم كف عنهم، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم" رواه مسلم.
(٢)(أن يؤمروا أحدهم) كما فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في جيش مؤته لما قتل أمراؤهم أمروا خالد بن الوليد، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضى أمرهم وصوب رأيهم وسمى خالدًا يومئذ سيف الله.
(٣)(ثوابه عظيم) لحديث ابن عباس مرفوعًا "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خيفة الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي وقال حسن غريب.
(٤)(إلى يوم القيامة) لحديث معاوية مرفوعًا "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه أبو داود، وأما "لا هجرة بعد الفتح" فيعنى من مكة.
(٥)(حكم الكفر) لقوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام "أنا بريء من مسلم بين أظهر المشركين".
(٦)(ولا محرم) بخلاف الحج، وفي عيون المسائل والرعايتين، إن أمنت نفسها من الفتنة في دينها لم تهاجر إلا بمحرم كالحج، ومعناه في الشرح وشرح الهداية للمجد وزاد: وأمنتهم على نفسها، وإن لم تأمنهم فلها الخروج حتى وحدها بخلاف الحج.