(فصل) وعلى الإِمام حماية من هادنه من المسلمين وأهل الذمة دون غيرهم كأهل حرب، فلو أخذهم أو مالهم غيرهما حرم علينا بشراء وغيره. وإن سبى بعضهم بعضًا لم يجز لنا شراؤهم (١) وإن سبى بعضهم ولد بعض وباعه صح، ولنا شراء ولدهم وأهليهم كحربي باع أهله وأولاده. وإن خاف نقض العهد منهم جاز نبذه
إليهم بخلاف ذمة (٢) ومتى نقضها وفي دارنا منهما أحد وجب ردهم إلى مأمنهم، وإن كان عليهم حق استوفى منهم، ويجوز قتل رهائنهم إذا قتلوا رهائننا على الأصح.
باب عقد الذمة (٣)
يجوز عقدها إذا اجتمعت الشروط ما لم يخف غائلة منهما. وصفة عقدها أقررتكم بجزية واستسلام، فالجزية مال يؤخذ منهم على وجه الصغار بدلا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا. ولا يجوز عقد الذمة المؤبد إلا بشرطين: أحدهما التزام إعطاء الجزية كل حول، والإِجماع على قبول الجزية ممن بذلها من أهل الكتاب. والثاني التزام أحكام الإِسلام وهو قبول مايحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم (٤) ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتابين ولمن وافقهما في التدين في التوارة والإِنجيل كالسامرة والإِفرنج (٥) ولمن له شبهة كتاب
(١)(لم يجز لنا شراؤهم) لأنهم في عهدهم، وذكر عن الشافعي ما يدل على هذا، ومذهب أبي حنيفة جوازه، فعلى هذا إن استولى المسلمون على الذين استرقوهم وأخذوا أموالهم لم يلزم رده.
(٢)(بخلاف ذمة) فليس له نبذها إذا خيف خيانة أهلها، لأن الذمة مؤبدة وتجب الإِجابة إليها، وفيها نوع معاوضة، بخلاف الهدنة والأمان.
(٣)(عقد الذمة) أي إقرار بعض الكفار على كفره بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة.
(٤)(أو ترك محرم) فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح، لقوله تعالى:{حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
(٥)(والإفرنج) وهم الروم يقال لهم بنو الأصفر، والأشبه أنها مولدة نسبة إلى فرنجة بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه، وهي جزيرة من جزائر البحر، والأصل في ذلك الآية، وقول المغيرة بن شعبة لعامل كسرى "أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية" رواه أحمد والبخاري.