سحرا من حيث يدق تأثيره، قال: وتسحر بالطعام وبالشراب والسحر الرئة، فيجوز أنه سمي بذلك اعتبارا بدقة تأثيره في ترويحه القلب بإيصال النفس (البارد إليه) إخراج الحارمنه، فكأنه ساحر في فعله ذلك، وقوله:{إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} قبل من المخلوقين وحقيقته من المجعول له سحر، أي من الحيوان، وقيل فيه، وفي قوله:{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}، أي معه رأي من الجن والفتنة: اختيار بتعذيب، ولما انطوى معناها على الأمرين استعملت في كل واحد منهما مفردة نحو قوله:{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي عذابكم وفتنت الذهب إذا اختبرته بالنار، وقوله:{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} يحتمل الوجهين، والآية معطوفة على ما تقدم من ذكر اليهود، وهي منطوية على أمرين: ذم اليهود في تحري السحر وإيثاره وتبرئة لسليمان - عليه السلام - مما نسبوه إليه، وذلك أنه روى أن الشياطين من الإنس والجن دفنوا تحت كرسي سليمان عليه السلام شيئا من السحر، فلما مات عليه السلام أخرجوا ذلك، وادعوا أنه كان يتحرى ما يتحراه سحراً منها فذكر الله تعالى أن بعض اليهود اتبعوا ما تخرصه الشياطين على ملك سليمان، ونزه سليمان عن الكفر وما نسب إليه من السحر، وذكر أن الشياطين هم المستحقون لذلك، واختلف في قوله:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} فقيل فيه ثلاثة أقوال:
الأول: أن ما جرى معطوف على قوله {مُلْكِ سُلَيْمَانَ} ومعناه: كذبوا على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين والثاني: أن ما نفى وعلى القولين: قيل لم يعلم الملكان السحر، بل كانا ينهيان عنه {حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} أي حتى بلغ من نهيهما عن ذلك أنهما كانا يقولان إنما نحن فتنة، أي مفتونون بأن نعلم السحر وذلك مستبعد من حيث اللفظ، فإنه إنما يقال: فلان لا يفعل كذا حتى إنه يقول كذا على سبيل الاستئناف، ولا يقول حتى يقول، وقال هذان القائلان معنى (ويتعلمون منهما) أي