من السحر والكفر، وقد جرى ذكر السحر صريحاً، وذكر الكفر ضمناً في قوله، كفروا، والثالث قول أكثر المفسرين إن (ما أنزل) نصب معطوف على قول السحر، ومعناه علم السحر وكيفية تعاطيه وقوله " منهما " راجع إلى الملكين، وكان تعليمهما ذلك ليحترز به، لا ليتعاطى فعلها ولهذا كانا يقولان (إنما نحن فتنة فلا تكفر)، والذي أنكره من يذهب إلى التقديرين الأولين هو لظنه أن علم السحر محظور كفعله، وليس الأمر على ما ظن، وذاك لما قد ثبت أن الحكمة معرفة الصدق من الكذب في الأقوال والخير من الشر في الأمور ليتحرى الصدق والخير ويتجنب الكذب والشر، فمعرفة الكذب.
والشر إذا واجبة كوجوب معرفة الصدق والخير، بل لا يتم معرفة أحدهما إلا بالآخر كما قد تبين أن المعرفة بالمتضادين واحد، وإن كان معرفتهما لازمة، فتعريفهما واجب، وإنما المستقبح تعاطي الكذب والقبيح، فإذا كان كذلك فلا ضير أن يبعث الله تعالى من قبله في وقت يكثر فيه الاستغواء بالسحر هن ينبه على وجه احتياله، فتزول عن الناس الشبهة، ثم إن استعان شرير به على تعاطي شر، فهو كالاستعانة بتعلم الفقه وتعاطي العبادات لاستغواء الناس، فما من شي من المعادن أو من المعارف والعلوم نسخ في هذه الدار مصلح لخير إلا ويمكن استعماله في شر، ومن لم يتمسك فيما يتحراه بالطاعة وقع في المعصية أو الكفر، وأما هاروت وماروت فالظاهر أنهما. كانا الملكين، وقيل: كانا رجلين سُميَا ملكين اعتباراً بصلاحهما ولهذا قرأ بعض القراء {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} اعتباراً بملكهما، وقال بعض المفسرين إن الملكين ليسا بهاروت وماروت، وإنما هما شيطانان من الجن والإنس وجعلهما نصباً في اللفظ بدلاً من الشياطين بدل البعض من الكل كقولك: القوم قالوا كذا زيد وعمرو، قال: ويكون قولهما: (وإنما نحن فتنة) كقول الخليع لغيره: لا تعيرني فإني خليع فاسق، ويكون قوله:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} نفقاً اعتراضاً بين البدل والمبدل منه، وروى بعض من جعلهما ملكين أنهما كانا صيُراً على صورة الآدميين وركب منهما الشهوة، وأنهما تعرضا لامرأة يقال لها زهرة فحملتهما على شرب الخمر وارتكاب المحظور ثم صعدت إلى السماء، فقد استسخف جماعة الجدليين قائل هذا الحديث وعدوه خرافة ينره العاقل سمعه عن سماعه، وذكر بعض الناس أن ذلك رمز منقول عن