للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكنت رأيت المبرد المذكور في المنام وجرى لي معه قصة عجيبة فأحببت ذكرها، وذلك أني كنت بالإسكندرية في بعض شهور سنة ست وثلاثين وستمائة وأقمت بها خمسة أشهر، وكان عندي كتاب الكامل للمبرد، وكتاب العقد لابن عبد ربه، وأنا أطالع فيهما، فرأيت في العقد في فصل ترجمة بقوله " ماغلط فيه على الشعراء " (١) وذكر أبياتا نسبوا أصحابها فيها إلى الغلط وهي صحيحة، وإنما وقع ممن استدرك عليهم لعدم اطلاعهم على حقيقة الأمر فيها، ومن جملة من ذكر المبرد فقال: ومثله قول محمد بن يزيد النحوي في كتاب " الروضة " ورد على الحسن بن هانئ - يعني أبا نواس - في قوله:

وما لبكر بن وائل عصم ... إلا بحمقائها وكاذبها فزعم أنه أراد بحمقائها هبنقة القيسي، ولايقال في الرجل حمقاء، وإنما أراد دغة العجيلية، وعجل في بكر، وبها يضرب المثل في الحمق، هذا كله كلام صاحب العقد وغرضه أن المبرد نسب أبانواس إلى الغلط بكونه قال ب حمقائها واعتقد أنه أراد هبنقة، وهبنقة رجل، والرجل لايقال له حمقاء، بل يقال له أحمق، وأبونواس إنما أراد دغة وهي امرأة، فالغلط حينئذ من المبرد، لا من أبي نواس. فلما كان بعد ليال قلائلب من وقوفي على هذه الفائدة رأيت في المنام كأني بمدينة حلب في مدرسة القاض بهاء الدين المعروف بابن شداد، وفيها كان اشتغالي بالعلم، وكأننا قد صلينا الظهر في الموضع الذي جرت العادة بالصلاة فيه جماعة، فلما فرغنا من الصلاة قمت لأخرج، فرأيت في أخريات الموضع شخصا واقفا يصلي، فقال لي بعض الحاضرين: هذا أبو العباس المبرد، فجئت إليه وقعدت إلى جانبه أنتظر فراغه، فلما فرغ سلمت عليه وقلت له: أنا في هذا الزمان أطالع في كتابك الكامل فقال لي: رأيت كتابي الروضة فقلت: لا، وما كنت رأيته قبل ذلك، فقال: قم حتى أريك إياه، فقمت معه وصعد بي إلى بيته (٢) ، فدخلنا فيه ورأيت كتبا


(١) العقد ٥: ٣٩٠.
(٢) ق: وصعدت إلى بيته.

<<  <  ج: ص:  >  >>