للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد وقفت على ربوعهم ... وطلولها بيد البلى نهب

فبكيت حتى ضج من لغب ... نضوي ولج بعذلي الركب

وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب فمر به شخص وسمعه وهو ينشد الأبيات، فقال له: هل تعرف هذه الدار لمن هي فقال لا، فقال: هذه الدار لصاحب هذه الأبيات الشريف الرضي فتعجبا (١) من حسن الاتفاق.

ولقد اذكرتني هذه الواقعة حكاية هي في معناها ذكرها الحريري (٢) في كتاب " درة الغواص في أوهام الخواص " (٣) وهي على ما رواه أن عبيد بن شرية الجرهمي عاش ثلثمائة سنة وأدرك الإسلام ودخل على معاوية بن أبي سفيان بالشام وهو خليفة، فقال له: حدثني بأعجب ما رأيت، فقال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر:

يا قلب إنك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكير

قد بحت بالحب ماتخفيه من أحد ... حتى جرت لك اطلاقا محاضير

فلست تدري وما تدري أعاجلها ... أدنى لرشدك أم مافيه تأخير

فاستقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور قال، فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا شعر فقلت: لا، قال: إن قائله هو الذي دفناه الساعة، وأنت الغريب الذي تبكي عليه ولست (٤)


(١) ل ن مج: فتعجبنا؛ ت: فبقي متعجباً؛ ق: فعجبنا.
(٢) ر: ابن الحريري.
(٣) درة الغواص: ٥٥ - ٥٦.
(٤) لي: وليس؛ وكذلك في الدرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>