للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد اطلع من علوم أهل البيت على كتاب يسمى الجفر وأنه رأى فيه صفة رجل يظهر بالمغرب الأقصى بمكان السوس، وهو من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الله، يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب يسمى باسم هجاء حروفه (ت ي ن م ل) ورأى فيه أيضاً أن استقامة ذلك الأمر واستلاءه وتمكنه يكون على يد رجل من أصحابه هجاء اسمه (ع ب، م وم ن) ويجاوز وقته المائة الخامسة للهجرة، فأوقع الله سبحانه وتعالى في نفسه أنه القائم بأول الأمر، وأن أوانه قد أزف، فما كان محمد يمر بموضع إلا سأل عنه، ولا يرى أحداً إلا أخذ اسمه وتفقد حليته، وكانت حلية عبد المؤمن معه، فبينما هو في الطريق رأى شاباً قد بلغ أشده (١) على الصفة التي نعه. فقال له محمد وقد تجاوزه: ما اسمك يا شاب فقال: عبد المؤمن، فرجع إليه وقال له: الله أكبر، أنت بغيتي، فنظر في حليته فوافقت ما عنده، فقال له: ممن أنت، فقال: من كومية، قال: أين مقصدك فقال: الشرق، فقال: ما تبغي قال: اطلب علماً وشرفاً، قال: وجدت علماً وشرفاً وذكراً، اصحبني تنله فوافقه على ذلك، فألقى محمد إليه أمره وأودعه سره.

وكان محمد قد صحب رجلاً يسمى عبد الله الونشريسي ففاوضه فيما عزم عليه من القيام، فوافقه على ذلك أتم موافقة (٢) ، وكان الونشريسي ممن تهذب وقرأ فقهاً، وكان جميلاً فصيحاً في لغة العرب وأهل المغرب، فتحثا يوماً في كيفية الوصول إلى الأمر المطلوب، فقال محمد لعبد الله: أرى أن تستر ما أنت عليه من العلم والفصاحة عن الناس وتظهر من العجز واللكن والحصر والتعري عن الفضائل ما تشتهر به عند الناس، لنتخذ الخروج عن ذلك واكتساب العلم والفصاحة دفعة واحدة ليقوم ذلك مقام المعجزة عند حاجتنا إليه، فتصدق فيما نقوله، ففعل عبد الله ذلك.

ثم إن محمداً استدنى أشخاصاً مناهل الغرب أجلاداً في القوى الجسمانية أغماراً، وكان أميل إلى الأغمار من أولى الفطن والاستبصار، فاجتمع له منهم


(١) زاد في ق: وبلغ أربعين سنة.
(٢) ق: فوافقه على ذلك وكانت موافقته أتم موافقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>