للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحاجز الأنجاد والأغوار - من فاجئ ركضته، واستخفاء الهند تحت جيوبها (١) عند ذكره، واقشعرارهم لمهب الرياح من أرضه، وقد كان مذ لفظه المهد وجفاه الرضاع، وانحلت عن لسانه عقدة الكلام، واستغنى عن الإشارة بالإفهام مشغول اللسان بالذكر والقرآن، مشغوف النفس بالسيف والسنان، ممدود الهمة إلى معالي الأمور، معقود الأمنية بسياسة الجمهور، لعبه مع الأتراب جد، وجده مستكد، يألم لما لا يعلم حتى يقتله (٢) خبراً، ويحزن لما يحزن حتى يدمثه قسراً وقهراً.

وذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني - المقدم ذكره - في كتابه الذي سماه " مغيث الخلق في اختيار الأحق " أن السلطان محموداً المذكور كان على مذهب أبي حنيفة، رضي الله عنه، وكان مولعاً بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحيث من الشيوخ بين يديه، وهو يسمع، وكان يستفسر الحاديث، فوجد أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي رضي الله عنه، فوقع في خلده (٣) حكة، فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو، والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعلى مذهب أبي حنيفة، رضي الله عنه، لينظر فيه السلطان، ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما، فصلى القفال المروزي - وقد تقدم ذكره - بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة، وأتى بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجه الكمال والتمام، وقال: هذه صلاة لا يجوز الإمام الشافعي دونها رضي الله عنه، ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة رضي الله عنه، فلبس جلد كلب مدبوغاً ولطخ ربعه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة، واجتمع عليه الذباب والبعوض، وكان وضوءه منكساً منعكساً، ثم استقبل القبلة، وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء، وكبر بالفارسية دو بركك سبز، ثم نقر


(١) لي: جنودها؛ ن ق: جبوبها.
(٢) لي: يقلبه؛ ق: يقبله.
(٣) لي: جلده.

<<  <  ج: ص:  >  >>