للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تتأخر. فقبل ذلك من الحاكم بالسمع والطاعة وانصرف، ووصل إلى داره بمصر وأسهر نفسه واستنتج قريحته وجود فكرته وعمل ما أشار له في الكتابين ولم يزل في السهر إلى وقت السحر، فاستحثه الرسل فقام ليتوضأ ويتهيأ إليه فعثرت رجله في المحبرة فتطرطش الكتابين، فلطم وجهه ووقع مغشياً عليه وانقبض أهله، وعلم أنه مقتول، فوصى أهله الوصية التامة وركب وأخذ الكتابين في كمه مطويين، ولم يزل إلى أن دخل من باب القاهرة ووصل إلى القصر مغلساً، والرسل والحجاب منتظرون قدومه، وحين وصل أذن له في الدخول، فوجد الحاكم في الإيوان الكبير جالساً على سرير، وبين يديه طشطان وعليهما قوارتان (١) ، فلما رأى الحاكم قبل الأرض ووقف صامتاً فقال له: يا ولي الدولة اكشف هذين الطشطين، فكشف عنهما فإذا في كل منهما رأس رجل ورأس امرأة، فقال: هؤلاء اطلعنا منهم على قضية منحوسة وفساد لا ينبغي الصبر، عليه ففعلنا بهم ما فعلناه، وتلك الثوبان خذهما فصلهما لأهلك، امض لشأنك، فخرج من بين يديه مغشياً عليه، فأقام في الديوان إلى أن سكنت نفسه وهدأ روعه، وكتب إلى أهله رقعة يأمرهم فيها بالسكون والسكوت إلى أن يجتمع بهم] (٢) .

والحاكم المذكور هو الذي بنى الجامع الكبير بالقاهرة، بعد أن كان قد شرع فيه والده العزيز بالله كما سيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى وأكمله وأبده، وبنى جامع راشدة بظاهر مصر، وكان شروعه في عمارته يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، وكان متولي بنائه الحافظ أبا محمد عبد الغني بن سعيد، والمصحح لمحرابه أبا الحسن علي بن يونس المنجم، وقد تقدم ذكرهما، وأنشأ عدة مساجد بالقرافة وغيرها، وحمل إلى الجوامع من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر السامان ما له قيمة طائلة.

وكان يفعل الشيء وينقضه.

[وخرج عليه في سنة خمس وتسعين وثلثمائة أبو ركوة الوليد بن هشام العثماني


(١) انفردت مج بهذه القصة، وقد أبقيناها على حالها مع ما فيها مما لا يتفق والصحة اللغوية.
(٢) التاء غير معجمة في النسخة.

<<  <  ج: ص:  >  >>