للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلم أنه إن فتح نسب الفتح إليه دونه، فأخذ في جمع العساكر، وولى على القيروان ولده عبد الله، وتبعه فلم يدركه إلا بعد الفتح. وكان لذريق المذكور قد قصد عدواً له، واستخلف في المملكة شخصاً يقال له تدمير، وإلى هذا الشخص تنتسب بلاد تدمير بالأندلس - وهي مرسية وما والاها، وهي خمس مواضع تسمى بهذا الاسم، واستولى الفرنج على مرسية سنة اثنتين وخمسين وستمائة (١) - فلما نزل طارق من الجبل بالجيش الذي معه كتب تدمير إلى لذريق الملك إنه قد وقع بأرضنا قوم لا ندري من السماء هم أم من الأرض، فلما بلغ ذلك لذريق رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس، ومعه العجل يحمل الأموال والمتاع، وهو على سريره بين دابتين عليه قبة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد.

فلما بلغ طارقاً دنوه قام في أصحابه فحمد الله سبحانه وتعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم في الشهادة، ثم قال: أيها الناس، أين المفر والبحر من ورائكم والعدو أمامكم فليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مآدب اللئام، وقد استقبلتم عدو كم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم غير سيوفكم، ولا أقوات (٢) لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت ريحكم وتعوضت القلوب برعبها منكم الجراءة عليكم، فافعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية (٣) ، فقد ألقت إليكم مدينته المحصنة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن لكم إن سمحتم بأنفسكم للموت. وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة (٤) ، ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس أبداً فيها بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا


(١) وهي مرسية ... وستمائة: سقط من: لي بر من.
(٢) ق ن ص: أثواب.
(٣) ر ن ق لي: هذه الطاغية.
(٤) ق: بنجاة؛ ن: بمنجاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>