للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابن التلميذ كثير التواضع، وأوحد الزمان متكبراً، فعمل فيهما البديع الأسطرلابي المقدم ذكره (١) :

أبو الحسن الطبيب ومقتفيه ... أبو البركات في طرفي نقي

فهذا التواضع في الثريا ... وهذا بالتكبر في الحضيض ولابن التلميذ في الطب تصانيف مليحة، فمن ذلك كتاب " أقراباذين " وهو نافع في بابه، وبه عمل أطباء هذا الزمان، وله كناش وحواش على كليات ابن سينا، وغير ذلك.

(٣٠٣) وكان شيخه في الطب أبا الحسن هبة الله بن سعيد (٢) صاحب التصانيف المشهورة، منها كتاب " التلخيص " و " المغني " في الطب وهو جزء واحد، وكتاب " الإقناع " وهو اربعة أجزاء، وقد انتقدوا عليه هذه التسمية وقالوا: كان أن يكون الأمر بالعكس، لأن المغني هو الذي يغني عن غيره، فكان الكتاب الأكبر أولى بهذا الاسم، والإقناع هو الذي تقع القناعة به، فالمختصر أولى بهذا الاسم. وله كل شيء مليح من تصنيف في طب وأدب.

وكان حسن السمت كثير الوقار (٣) ، حتى قيل أنه لم يسمع منه بدار الخلافة مدة تردده إليها من المجون سوى مرة واحدة بحضرة المقتفي الخليفة، وذلك أنه كان له راتب بدار القوارير ببغداد، فقطع ولم يعلم به الخليفة، فاتفق أنه كان عنده يوماً، فلما عزم على القيام لم يقدر عليه إلا بكلفة ومشقة من الكبر، فقال له المقتفي: كبرت يا حكيم، فقال: نعم يا مولانا، وتكسرت قواريري، وهذا في اصطلاح أهل بغداد أن الإنسان إذا كبر يقال " تكسرت قواريره " فلما قال الحكيم هذه اللفظة، قال الخليفة: هذا الحكيم لم أسمع منه


(١) انظر تاريخ الحكماء: ٣٤٦.
(٢) كذا في النسخ؛ وترجم له ابن أصيبعة باسم أبي الحسن سعيد بن هبة الحسين، وقد توفي سنة ٤٩٥، وقصة تسميته للمغني والاقناع مذكورة في ابن أبي أصيبعة.
(٣) هنا عاد الحديث إلى ابن التلميذ (انظر أخبار الحكاء: ٣٤١) والجملة السابقة " وله كل شيء مليح من تصنيف في طب أو أدب " لا يدري لى من تنصرف من الرجلين، فإن المؤلف هنا وصل الكلام دون فصل موضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>