ونعود إلى ما كنا فيه من حديث ابن مطروح:
بلغني أنه كتب قبل ارتفاع درجته رقعة تتضمن شفاعة في قضاء شغل بعض أصحابه، أرسلها إلى بعض الرؤساء، فكتب ذلك الرئيس في جوابه " هذا الأمر فيه علي مشقة " فكتب جوابه ثانية " لولا المشقة " فلما وقف عليها ذلك الرئيس قضى شغله وفهم قصده، وهو قول المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال وهذا من لطيف الإشارات.
وأنشدني الأديب الفاضل جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي المعروف بالجزار المصري (١) قصيدة بديعة مدح بها جمال الدين ابن مطروح المذكور، وهي بديعة فاقتصرت منها على ذكر غزلها، وهو هذا:
هو ذا الربيع ولي نفس مشوقه ... فاحبس الركب عسى أقضي حقوقه
فقبيح بي في شرع الهوى ... بعد ذلك البر أن أرضى عقوقه
لست أنسى فيه ليلاتٍ مضت ... مع من أهوى وساعاتٍ أنيقه
ولئن أضحى مجازاً بعدهم ... فغرامي فيه ما زال حقيقه
يا صديقي والكريم الحر في ... مثل هذا الوقت لا ينسى صديقه
ضع يداً منك على قلبي عسى ... أن تهدي بين جنبي خفوقه
فاض دمعي مذ رأى ربع الهوى ... ولكم فاض وقد شام بروقه
نفد اللؤلؤ من أدمعه ... فغدا ينثر في الترب عقيقه
قف معي واستوقف الركب فإن ... لم يقف فاتركه يمضي وطريقه
(١) راجع ترجمة الجزار في المغرب (قسم مصر) ١: ٢٩٦ وحسن المحاضرة ١: ٣٢٧ والشذرات ٥: ٣٦٤ والنجوم الزاهرة ٧: ٣٤٥ والفوات ٢: ٦٣٠ والبدر السافر، الورقة: ٢٢٥ والزركشي ٣ الورقة: ٣٦٥؛ وفي المسالك قطعة كبيرة من شعره، وكانت وفاته سنة ٦٧٩.