للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فقال له الأحنف: إني لا أجير على ابن سمية فأغرك، وإنما يجير الرجل على عشيرته وأما على سلطانه فلا. ثم إنه مشى على غيره فلم يجره أحد، فأجاره المنذر بن الجارود العبدي، وكانت ابنته تحت عبيد الله بن زياد، وكان المنذر من أكرم الناس عليه، فاغتر بذلك وأدل بموضعه منه، وطلبه عبيد الله وقد بلغه وروده من البصرة، فقيل له: أجاره المنذر بن الجارود، فبعث عبيد الله إلى المنذر فأتاه، فلما دخل عليه بعث عبيد الله بالشرط فكبسوا داره وأتوه بابن مفرغ، فلم يشعر ابن الجارود إلا بابن مفرغ قد أقيم على رأسه، فقام ابن الجارودي إلى عبيد الله فكلمه فيه، فقال: أذكرك الله أيها الأمير أن تخفر جواري فإني قد أجرته، فقال عبيد الله: يا منذر، الله، ليمدحن أباك ويمدحنك وقد هجاني وهجا آبي ثم تجيره علي!! لاها الله، لا يكون ذلك أبداً ولا أغفرها له، فغضب المنذر، فقال له: لعلك تدلي بكريمتك عندي، إن شئت والله لأبيتها (١) بتطليق البتة؛ فخرج المنذر من عنده.

وأقبل عبيد الله على ابن مفرغ فقال له: بئس ما صحبت به عباداً، فقال: بل بئس ما صحبني عباد، اخترته على سعيد بن عثمان وأنفقت على صحبته جميع ما أملكه، وظننت أنه لا يخلو من عقل زياد وحلم معاوية وسماحة قريش، فعدل عن ظني كله، ثم عاملني بكل قبيح وتناولتني بكل مكروه من حبس وغرم وشتم وضرب، فكنت كمن شام برقاً خلباً في سحاب جهام فأراق ماءه طمعاً فيه فمات عطشاً، وما هربت من أخيك إلا لما خفت أن يجري في ما يندم عليه، وقد صرت الآن في يديك فشأنك فاصنع بي ما شئت. فأمر بحبسه وكتب إلى يزيد بن معاوية يسأله أن يأذن له في قتله، فكتب إليه يزيد: إياك وقتله، ولكن تناوله بما ينكله ويشد سلطانك ولا يبلغ نفسه، فإن له عشيرة هي جندي وبطانتي ولا ترضى بقتله مني ولا تقنع إلا بالقود منك، فاحذر ذلك واعلم أنه الجد منهم ومني وأنك مرتهن بنفسه، ولك في دون تلفها مندوحة تشفي من الغيظ. فورد الكتاب على عبيد الله، فأمر بابن مفرغ فسقي نبيذاً حلواً قد خلط معه الشبرم، وقيل التربذ (٢) فأسهل بطنه فطيف به وهو على


(١) ر: لأبنتها، وفي الأغاني: لابينها.
(٢) التربذ: راسب زئبقي أصفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>