للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى، ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء هذه النعمى، ولا يناجز من يستمطله في حربه (١) ، ولا يعاتب بأطراف القنا من يتعادى في عتبه، إلا لتكون الكلمة مجموعة فتكون كلمة الله هي العليا، وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا، وكانت الألسن ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار، وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار، ومن طلب خطيراً خاطر، ومن رام صفقة رابحة جاسر (٢) ، ومن سما لأن يجلي غمرة غامر، وإلا فإن القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فيعضها، ويضعف في أيديها مهز القوائم فيفضها، هذا إلى كون القعود لا يقضى به فرض الله في الجهاد (٣) ، ولا يرعى به حقه في العباد، ولا يوفى به واجب التقليد الذي يطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وخلفاء كانوا في مثل هذا اليوم يسألون، لا جرم أنهم أورثوا سرهم وسريرهم خلفهم الأطهر، ونجلهم الأكبر، وبقيتهم الشريفة، وطليعتهم المنيفة، وعنوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد القلم وبياض الصحيفة. فما غابوا لما حضر، ولا غضوا لما نظر، بل وصلهم الأجر لما كان (٤) به موصولاً. وشاطروه العمل لما كان عنه منقولاً، ومنه مقبولاً، وخلص إليهم إلى المضاجع فاطمأنت به (٥) جنوبها، وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها، وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميراً، والنهار به بصيراً، والشرق يهتدي بأنواره، بل إن بدا نور من ذاته هتف به الغرب بأن واره، فإنه نور لا تكنه أغساق (٦) السدف، وذكر لا توازيه أوراق الصحف.

وكتب الخادم هذا وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شققا، وطارت


(١) س: ولا يحارب من يستظله إلا لتكون الكلمة ... الخ.
(٢) س: خاسر.
(٣) ق والمختار: لا يقضي به فرض الجهاد.
(٤) س: بل وصلهم بما كان ...
(٥) المختار: بها.
(٦) المختار: أنوار.

<<  <  ج: ص:  >  >>