للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنعتها كل قريب منهم وبعيد، وظنوا أنها من الله مانعتهم، وان كنيستها إلى الله شافعتهم، فلما نزلها الخادم رأى بلداً كبلاد، وجمعاً كيوم التناد، وعزائم قد تألبت وتألفت على الموت فنزلت بعرصته، وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته، فزاول البلد من كل جانب، فإذا أودية عميقة، ولجج وعر غريقة، وسور قد انعطف عطف السوار، وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقر الدار، فعدل إلى جهة أخرى كان للطالع عليها معرج، وللخيل فيها متولج (١) ، فنزل عليها وأحاط بها وقرب منها، وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه، ويزاحمه السور بأكتافه، وقابلها ثم قاتلها، ونزلها ثم نازلها [وبرز إليها ثم بارزها] (٢) ، وحاجزها ثم ناجزها، وضمها ضمة ارتقب بعدها الفتح، وصدع جمعها فإذا هم لا يصبرون على عبودية الحد عن عنق الصفح، فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدة، وقصدوا نظرة من شدة وانتظاراً لنجدة، فعرفهم الخادم في لحن القول، وأجابهم بلسان الطول، وقدم المنجنيقات (٣) التي تتولى عقوبات (٤) الحصون عصيها وحبالها، وأوتر لهم قسيها التي ترمي ولا تفارقها سهامها ولكن تفارق سهامها نصالها، فصافحت السور فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك، وقدم النصر نسراً من المنجنيق يخلد اخلاده إلى الأرض ويعلو علوه إلى السماك، فشج مرادع أبراجها، وأسمع صوت عجيجها صم اعلاجها، ورفع منار عجاجها (٥) ، فأخلى السور من السيارة، والحرب من النظارة، وأمكن النقاب، أن يسفر للحرب النقاب، وان يعيد الحجر إلى سيرته الأولى من التراب، فتقدم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله، وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله، وأسمع الصخرة الشريفة أنينه واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقتله، وتبرأ بعض الحجارة من بعض، وأخذ الخراب عليها موثقاً فلن تبرح الأرض، وفتح من السور باباً سد من نجاتهم أبواباً،


(١) متولج: هذه قراءة ر ع س، وفي ق والمختار: متوج.
(٢) زيادة من س ر.
(٣) خ بها مش المختار: المجانيق.
(٤) ر: عقوبة.
(٥) س: ورفع المرادع ما بين العنق إلى المرفق منار عجاجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>