للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوفيه ورده المورود، وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شعبان فكادت السموات يتفطرن للسجود لا للوجوم، والكواكب منها تنتثر للطرب لا للرجوم، ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طريقها مسدودة، وطهرت قبور الأنبياء وكانت النجاسات مكدودة، وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها، وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها، وجهر اسم أمير المؤمنين في وطنه الأشرف من المنبر، فرحب به ترحيب من بر بمن بر، وخفق علماه في حفافيه، فلو طار سروراً لطار بجناحيه.

وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور، واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصدور، فإن قوى العساكر قد استنفدت مواردها، وأيام الشقاء قد مردت (١) مواردها، والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها، ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها، فهي بلاد ترفد ولا تسترفد، وتجم ولا تستنفد، ينفق عليها ولا ينفق منها، وتجهز الأساطيل لبحرها، وتقام المرابط بساحلها، وبدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها، وكل مشقة بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة، وأطماع الفرنج بعد ذلك غير مرجئة ولا معتزلة، فإن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع، ولن يكفوا (٢) أيديهم من أطراف البلاد حتى تقطع، وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخص، ولا بما سوى المشافهة تتخلص، فلذلك نفذ الخادم لساناً شارحاً، ومبشراً صادحاً (٣) ، يطالع الخبر على سياقته، ويعرض جيش المسرة من طليعته إلى ساقته، وهو فلان، والله الموفق.

هذا آخر الرسالة الفاضلية، وكان في عزمي اختصارها والاقتصار على محاسنها فلما شرعت فيها قلت في نفسي: عسى أن يقف عليها من يؤثر الوقوف على جميعها فأكملتها ورجعت عن الرأي الأول، وهي قليلة الوجود


(١) س: استنفدت؛ ع: وأيام الشتاء.
(٢) س ق ع: يفكوا.
(٣) س: صالحاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>