المقفع هو الذي وضع كتاب " كليلة ودمنة "، وقيل: إنه لم يضعه وإنما كان باللغة الفارسية فعربه ونقله إلى العربية، وإن الكلام الذي في أول هذا الكتاب من كلامه. وكان ابن المقفع يعبث بسفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أمير البصرة وينال من أمه ولا يسميه إلا بابن المغتلمة، وكثر ذلك منه، فقدم سليمان وعيسى ابنا علي البصرة - وهما عما المنصور - ليكتبا أماناً لأخيهما عبد الله بن علي من المصور، وكان عبد الله المذكور قد خرج على ابن أخيه المنصور وطلب الخلافة لنفسه، فأرسل إليه المنصور جيشاً مقدمه أبو مسلم الخراساني، فانتصر أبو مسلم عليه. وهرب عبد الله بن علي إلى أخويه سليمان وعيسى، واستتر عندهما خوفاً على نفسه من المنصور، فتوسطا له عند المنصور ليرضى عنه، ولا يؤاخذه بما جرى منه، فقبل شفاعتهما، واتفقوا على أن يكتب له أمان من المنصور، وهذه الواقعة مشهورة في كتب التواريخ. وقد أتيت منها في هذا المكان بما تدعو الحاجة إليه لينبني الكلام بعضه على بعض. فلما أتيا البصرة قالا لعبد الله ابن المقفع: اكتبه أنت وبالغ في التأكيد كي لا يقتله المنصور. وقد ذكرت أن ابن المقفع كان كاتباً لعيسى بن علي، فكتب ابن المقفع الأمان وشدد فيه حتى قال في جملة فصوله:" ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله بن علي، فتساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حل من بيعته ".
وكان ابن المقفع يتنوق في الشروط فلما وقف عليه المنصور عظم ذلك عليه، وقال: من كتب هذا فقالوا له: رجل يقال له عبد الله ابن المقفع يكتب لأعمامك، فكتب إلى سفيان متولي البصرة المقدم ذكره يأمره بقتله، وكان سفيان شديد الحنق عليه للسبب الذي تقدم ذكره، فاستأذن ابن المقفع يوماً على سفيان، فأخر إذنه حتى خرج من كان عنده، ثم أذن له فدخل، فعدل به إلى حجرة فقتل فيها.
وقال المدائني: لما دخل ابن المقفع على سفيان، قال له: أتذكر ما كنت تقول في أمي فقال: أنشدك الله أيها الأمير في نفسي، فقال: أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، وأمر بتنور فسجر، ثم أمر بابن المقفع