فقطعت أطرافه عضواً عضواً، وهو يلقيها في التنور، وهو ينظر، حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق عليه التنور، وقال: ليس علي في المثلة بك حرج لأنك زنديق وقد أفسدت الناس.
وسأل سليمان وعيسى عنه فقيل: إنه دخل دار سفيان سليماً ولم يخرج منها، فخاصماه إلى المنصور، وأحضراه إليه مقيداً، وحضر الشهود الذين شاهدوه وقد دخل داره ولم يخرج، فأقاموا الشهادة عند المنصور، فقال لهم المنصور: أنا أنظر في هذا الأمر، ثم قال لهم: أرأيتم إن قتلت سفيان به ثم خرج ابن المقفع من هذا البيت - وأشار إلى باب خلفه - وخاطبكم ما تروني صانعاً بكم أأقتلكم بسفيان! فرجعوا كلهم عن الشهادة، وأضرب عيسى وسليمان عن ذكره، وعلموا أن قتله كان برضا المنصور. ويقال: إنه عاش ستاً وثلاثين سنة.
وذكر الهيثم بن عدي أن ابن المقفع كان يستخف بسفيان كثيراً، وكان أنف سفيان كبيراً، فكان إذا دخل عليه قال: السلام عليكما، يعني نفسه وأنفه؛ وقال له يوماً: ما تقول في شخص مات وخلف زوجاً وزوجة يسخر به على رؤوس الناس، وقال سفيان يوماً: ما ندمت على سكوت قط، فقال له ابن المقفع: الخرس زين لك فكيف تندم عليه! وكان سفيان يقول: والله لأقطعنه إرباً إرباً وعينه تنظر، وعزم على أن يغتاله، فجاءه كتاب المنصور بقتله فقتله.
وقال البلادري: لما قدم عيسى بن علي البصرة في أمر أخيه عبد الله بن علي قال لابن المقفع: اذهب إلى سفيان في أمر كذا وكذا، فقال: ابعث إليه غيري، فإني أخاف منه، فقال: اذهب فأنت في أماني، فذهب إليه ففعل به ما ذكرناه، وقيل: إنه ألقاه في بئر المخرج وردم عليه الحجارة، وقيل أدخله حماماً وأغلق عليه بابه فاختنق.
قلت: ذكر صاحبنا شمس الدين أبو المظفر يوسف الواعظ سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي الواعظ المشهور في تاريخه الكبير الذي سماه " مرآة الزمان " أخبار ابن المقفع وما جرى له وقتله في سنة خمس وأربعين ومائة، ومن عادته أن يذكر كل واقعة في السنة التي كانت فيها، فيدل على أن قتله كان في