للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبينما أنا على ذلك، وقد مضت عليّ فيه ثلاثة أيام، أو أربعة، ولا شغل لي إلّا البكاء على نفسي، والحسرة على مفارقة الحياة، إذ دخل حاجب النوبة، فقال: أبو الحسين الصوفي «١» في الدار، منذ الغداة، يسأل الوصول، وقد اجتهدت به في الانصراف، فأبى إلّا القعود، وترك القبول، وهو يقول:

لا بدّ لي من لقاء مولانا، فإنّ عندي بشارة، ولا يجوز أن يتأخّر وقوفه عليها، وسماعه إيّاها، فلم أحبّ أن أجدّ به في المنع والصرف، إلّا بعد المطالعة وخروج الأمر.

فقلت له- على مضض غالب، وبصوت خافت- قل له: كأنّي بك، وأنت تقول قد بلغ الكوكب الفلاني، إلى الموضع الفلاني، وتهذي عليّ في هذا المعنى، هذيانا لا يتسع له صدري، ولا يحتمله قلبي وجسمي، وما أقدر على سماع ما عندك، فانصرف.

فخرج الحاجب، وعاد متعجّبا، وقال: إمّا أن يكون أبو الحسين قد اختلّ، وإمّا أن يكون عنده أمر عظيم، فإنّي أعدت عليه ما قاله مولانا، فقال: ارجع، وقل له: والله، لو أمرت بضرب رقبتي، لما انصرفت أو أراك، ومتى أوردت عليك في معنى النجوم حرفا، فحكمك ماض فيّ، وإذا سمعت ما أحدثك به، عوفيت في الوقت، وزال ما تجده.

فعجبت من هذا القول، عجبا شديدا، مع علمي بعقل أبي الحسين، وشدّة تحقيقه، وقلّة تحريفه، وتطلّعت نفسي إلى ما عنده، فقلت: هاته.

فلمّا دخل، قبّل الأرض، وبكى، وقال: أنت والله يا مولاي في عافية، ولا خوف عليك، اليوم تبلّ، وتستقلّ، ومعي دلالة على ذلك.