للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيعرف رأيه، وما عنده، ثم يجمع الآراء، ويختار منها بصائب فكره، وثاقب نظره ما شاء، فإمّا أن يقول كل واحد رأيه، بحضرة الباقين، فربّما كان عنده، ما يسلك سبيل التقيّة في كتمانه وطيّه.

قال: صدقت والله، قم معي، فأخذ يده، ودخلا، وترك الباقين بمكانهم.

فقال له ابن الفرات: قررت رأيك على ابن المعتز؟

قال: هو أكبر من يوجد.

قال: وأيّ شيء تعمل برجل فاضل، متأدّب، قد تحنّك، وتدرّب، وعرف الأعمال، ومعاملات السواد، وموقع الرغبة في الأموال، وخبر المكاييل والأوزان، وأسعار المأكولات والمستغلّات، ومجاري الأمور والتصرّفات، وحاسب وكلاءه على ما تولّوه، وضايقهم، وناقشهم، وعرف من خياناتهم واقتطاعاتهم، أسباب الخيانة والاقتطاع التي يدخل فيها غيرهم، فكيف يتمّ لنا معه أمر، إن حمل كبيرا على صغير، وقاس جليلا على دقيق، هذا لو كان ما بيننا وبينه عامرا، وكان صدره علينا من الغيظ خاليا، فكيف وأنت تعرف رأيه.

قال العباس: وأيّ شيء في نفسه علينا؟

قال: أنسيت أنّه منذ ثلاثين سنة، يكاتبك في حوائجه، فلا تقضيها، ويسألك في معاملاته فلا تمضيها، وعمالك يصفعون وكلاءه فلا تنكر، ويتوسّل في الوصول إليك ليلا، فلا تأذن، وكم رقعة جاءتك بنظم ونثر، فلم تعبأ بها، ولا أجبته إلى مراده فيها، وكم قد جاءني منه، ما هذا سبيله، فلم أراع فيه وصولا إلى ما يريد إيصاله إليه، وهل كان له شغل عند مقامه في منزله، وخلوته بنفسه، إلّا معرفة أحوالنا، والمساءلة عن ضياعنا، وارتفاعنا، وحسدنا على نعمتنا، هذا، وهو يعتقد أنّ الأمر كان له ولأبيه