للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما ترعرع، ضمّه أبوه إليه، وأشركه في أمره، وكان إذا سافر أخرجه معه، لقلّة صبره عنه.

فقال له أبوه يوما: يا بنيّ، قد كبرت سنّي، وكنت أرجوك لمثل هذا اليوم، ولي إلى عمك حاجة، فأحب أن تشخص فيها.

فقال له إياس: نعم يا أبة، ونعم عين وكرامة، فإذا شئت، أخبرني بحاجتك، فأعلمه الحاجة، فخرج متوجّها حتى أتى عمّه، فعظم سروره به، وسأله عن سبب قدومه، وما الحاجة، فاخبره بها، ووعده بقضائها، فأقام عند عمّه أياما ينتظر فيها قضاء الحاجة.

وكان لعمّه بنت يقال لها صفوة، ذات جمال وعقل، فبينا هو ذات يوم جالس بفناء دارهم، إذ بدت له صفوة، زائرة بعض أخواتها، وهي تهادى بين جوار لها، فنظر لها أياس نظرة، أورثت قلبه حسرة، وظل نهاره ساهيا، وبات وقد اعتكرت عليه الأحزان، ينتظر الصباح، يرجو أن يكون فيه النجاح.

فلما بدا له الصباح، خرج في طلبها ينتظر رجوعها، فلم يلبث أن بدت له، فلما نظرت إليه تنكّرت، ثم مضت فأسرعت، فمرّ يسعى خلفها، يأمل منها نظرة، فلم يصل إليها، وفاتته، فانصرف إلى منزله، وقد تضاعف عليه الحزن، واشتد الوجد.

فلبث أياما، وهو على حاله، إلى أن أعقبه ذلك مرضا أضناه، وأنحل جسمه، وظلّ صريعا على الفراش.

فلما طال به سقمه، وتخوّف على نفسه، بعث إلى عمه لينظر إليه، ويوصيه بما يريد، فلما رآه عمّه، ونظر إلى ما به، سبقته العبرة إشفاقا عليه.

فقال له إياس: كفّ، جعلت فداك يا عمّ، فقد أقرحت قلبي، فكفّ عن بعض بكائه، فشكا إليه إياس ما يجد من العلّة، فقال له: