للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: نعم. كان لي أخ، وكنت أحبه الحبّ الذي لا شيء بعده، فمكثنا بذلك حينا، فلزم الحديث، والفقه، والأدب، وما رأيت فتى- مع التقوى- أمزح منه.

قال: ثم تغيّر عن بعض ما كنت أعهد منه، من المزاح، والسرور، وحسن الحديث، فلما رأيت ذلك منه غمّني، وأنكرته، فخلوت به يوما، فقلت:

يا أخي، ما قصتك؟ وما حالك؟ وما الذي نزل بك؟ أخبرني، فإن كان من أمر الآخرة، سررت به، وإن كان من أمر الدنيا أعنتك عليه.

قال: والله يا أخي، ما هو من أمر الآخرة، ولكنّه من أمر الدنيا، ولست أبديه، حتى يبلغ الأمر آخره، ويخرج من يدي، ولا أستطيع ردّه.

قال: ولهج بهذه الأبيات:

ألا إنّما التقوى ركائب أدلجت

قال: فعظم عليّ ما نزل به، وشغل قلبي، وأخذه شبيه بالسهو، ويقول في بعض الساعات: ربّ لا تسلبني ديني، ولا تفتنّي بعد أن هديتني.

فقلت في نفسي: ما أراه إلّا وقد غلبت عليه وسوسة من الشيطان، فهو يخاف، ومكث بذلك حينا، ما يزداد إلّا ضنى.

وجعل أهله يسألونني، فأقول: والله، ما علمي به إلّا كعلمكم، ولقد سألته عن حاله، فما يخبرني بشيء.

واشتدّ عليه الأمر، فسقط في الفراش، وكان الناس يعودونه.

ودخل الأطباء عليه، فبعضهم يقول: سلّ، وبعضهم يقول: غمّ، واختلفت في أمره علينا الأقاويل، وكان لا يتكلّم بشيء أكثر من قوله:

ألا إنّما التقوى ركائب أدلجت ... فأدركت الساري بليل فلم ينم

قال: ولم يزل به الأمر، حتى غلب على عقله، وضاق به مكانه، فأدخلناه