للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهنم؟ ولست أوّل من افتقر بعد غنى، فلا تفعل، وثق بالله تعالى، أين منزلك؟ قم معي إليه.

فما فارقني حتى حملني إلى منزلي، وأدخلني إليه، وما زال يؤنسني، ويعظني، إلى أن رأى مني السكون، فشكرته، وانصرف.

فكدت أقتل نفسي، لشدة وحشتي للجارية، وأظلم منزلي في وجهي، وذكرت الدنيا والآخرة، فخرجت من بيتي هاربا إلى بعض أصدقائي القدماء، فأخبرته خبري، فبكى رقة لي، وأعطاني خمسين درهما.

وقال: اقبل رأيي، اخرج الساعة من بغداد، واجعل هذه نفقة، إلى حيث تجد قلبك مساعدك على قصده، وأنت من أولاد الكتاب، وخطّك جيّد، وأدبك صالح، فاقصد بعض العمال، واطرح نفسك عليه، فأقلّ ما في الأمر، أن يصرّفك في شغل، أو يجعلك محررا بين يديه، وتعيش أنت معه، ولعل الله أن يصنع لك.

فعملت على هذا، وجئت إلى الكتبيّين، وقد قوي في نفسي أن أقصد واسطا، وكان لي بها أقارب، فأجعلهم ذريعة إلى التصرّف مع عاملها.

فحين جئت إلى الكتبيين، إذا بزلّال مقدّم، وإذا خزانة كبيرة، وقماش فاخر كثير، ينقل إلى الخزانة والزلّال، فسألت عن ملاح يحملني إلى واسط، فقال لي أحد ملّاحي الزلّال: نحن نحملك إلى واسط بدرهمين، ولكن هذا الزلّال لرجل هاشمي من أهل البصرة، ولا يمكننا حملك معه على هذه الصورة، ولكن تلبس من ثياب الملاحين، وتجلس معنا، كأنّك واحد منّا.

فحين رأيت الزلّال، وسمعت أنّه لرجل هاشمي من أهل البصرة، طمعت أن يكون مشتري جاريتي، فأتفرّج بسماعها إلى واسط، فدفعت الدرهمين إلى الملاح، وعدت فاشتريت جبّة من جباب الملاحين، وبعت الثياب التي عليّ، وأضفت ثمنها إلى ما معي من النفقة، واشتريت