فما كان إلا ساعة، حتى رأيت جاريتي بعينها، ومعها جاريتان تخدمانها، فسهل عليّ ما كان بي، وما أنا فيه، وقلت: أراها، وأسمع غناءها، من هاهنا إلى البصرة، واعتقدت أن أجعل قصدي البصرة، وطمعت في أن أداخل مولاها، وأصير أحد ندمائه، وقلت: لا تخليني هي من المواد، فإنّي واثق بها.
فلم يكن بأسرع من أن جاء الفتى الذي اشتراها، راكبا، ومعه عدة ركبان، فنزلوا في الزلّال، وانحدرنا.
فلما صرنا بكلواذى، أخرج الطعام، فأكل هو «١» ، وأكل الباقون على سطح الزلّال، وأطعموا الملاحين.
ثم أقبل على الجارية، فقال: إلى كم هذه المدافعة عن الغناء، ولزوم الحزن والبكاء؟ ما أنت أول من فارق مولى كان له، فعلمت ما عندها من أمري.
ثم ضربت لها ستارة في جانب الزلّال، واستدعي الذين في سطحه، وجلس معهم خارج الستارة، فسألت عنهم، فإذا هم إخوته وبنو عمه، فأخرجوا الصواني ففرّقها عليهم، وفيها النبيذ، وما زالوا يرفقون بالجارية، إلى أن استدعت العود فأصلحته، واندفعت تغني من الثقيل الأول، بإطلاق الوتر الذي في مجرى الوسطى:
بان الخليط بمن عرفت فأدلجوا ... عمدا لقتلك ثم لم يتحرّجوا
وغدت كأنّ على ترائب نحرها ... جمر الغضا في ساعة يتأجّج
ثم غلبها البكاء، فقطعت الغناء، وتنغّص على القوم سرورهم، ووقعت