الصاعد في درجاتها إلى سفال، والنازل في دركاتها إلى معال، وقال القومسي: من جد للدنيا هزلت به، ومن هزل راغبا عنها جدت له، انظر إلى هذا كيف انتهى أمره، وإلى أي حضيض وقع شأنه، وإني لأظن أن الرجل الزاهد الذي مات في هذه الأيام، ودفن بالشونيزية، أخف ظهرا، وأعز ظهيرا، من هذا الذي ترك الدنيا شاغرة، ورحل عنها، بلا زاد ولا راحلة، وقال غلام زحل: ما ترك هذا الشخص استظهارا بحسن نظره وقوته، ولكن غلبه ما منه كان، وبمعونته بان، وقال ابن المقداد: إن ماء أطفأ هذه النار لعظيم، وإن ريحا زعزعت هذا الركن لعصوف، فقال أبو سليمان: ما عندي في هذا الحديث، أحسن مما سمعت من أبي إسماعيل الخطيب الهاشمي، لما نعاه على المنبر، يوم الجمعة، يقول في خطبته: كيف غفلت عن كيد هذا الأمر حتى نفذ فيك، وهلا اتخذت دونه جنة تقيك، ماذا صنعت بأموالك والعبيد، ورجالك والجنود، وبحولك العتيد، وبدهرك الشديد، هلا صانعت من عجل على السرير، وبذلت له من القنطار إلى القطمير، من أين أتيت وكنت شهما حازما، وكيف مكنت من نفسك وكنت قويا صارما، من الذي واطأ على مكروهك، وأناخ بكلكله على ملكك، لقد استضعفك من طمع فيك، ولقد جهلك من سلم بالعز لك، كلا، ولكن ملكك من أخرك وأملك، وسلبك من قدر عليك بالقهر لك، إن فيك لعبرة للمعتبرين، وإنك لآية للمستبصرين، جافى الله جنبك عن الثرى، وتجاوز عنك بالحسنى، ونقل روحك إلى الدرجات العلى، وعرفنا من خلفك خيرا وعدلا، يكثر من أجلهما لك الدعاء، وعليك الثناء، إنه على ذلك قدير، وهو عليه بصير (ذيل تجارب الأمم ٣/٧٥- ٧٧) .