للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


التي قالها الحكماء العشرة، عند وفاة الاسكندر، فقال الأندلسي: لو قد تقوض مجلسكم هذا، بمثل هذه الكلمات، لكان يؤثر عنكم ذلك، فقال أبو سليمان: ما أحسن ما بعثت عليه، أما أنا فأقول: لقد وزن هذا الشخص الدنيا بغير مثقالها، وأعطاها فوق قيمتها، وحسبك أنه طلب الربح منها، فخسر روحه فيها، وقال الصيمري: من استيقظ للدنيا فهذا نومه، ومن حلم بها فهذا انتباهه، وقال النوشجاني: ما رأيت غافلا في غفلته، ولا عاقلا في عقله مثله، لقد كان ينقض جانبا وهو يظن أنه مبرم، ويغرم وهو يرى أنه غانم، وقال العروضي: أما أنه لو كان معتبرا في حياته، لما صار عبرة في مماته، وقال الأندلسي:
الصاعد في درجاتها إلى سفال، والنازل في دركاتها إلى معال، وقال القومسي: من جد للدنيا هزلت به، ومن هزل راغبا عنها جدت له، انظر إلى هذا كيف انتهى أمره، وإلى أي حضيض وقع شأنه، وإني لأظن أن الرجل الزاهد الذي مات في هذه الأيام، ودفن بالشونيزية، أخف ظهرا، وأعز ظهيرا، من هذا الذي ترك الدنيا شاغرة، ورحل عنها، بلا زاد ولا راحلة، وقال غلام زحل: ما ترك هذا الشخص استظهارا بحسن نظره وقوته، ولكن غلبه ما منه كان، وبمعونته بان، وقال ابن المقداد: إن ماء أطفأ هذه النار لعظيم، وإن ريحا زعزعت هذا الركن لعصوف، فقال أبو سليمان: ما عندي في هذا الحديث، أحسن مما سمعت من أبي إسماعيل الخطيب الهاشمي، لما نعاه على المنبر، يوم الجمعة، يقول في خطبته: كيف غفلت عن كيد هذا الأمر حتى نفذ فيك، وهلا اتخذت دونه جنة تقيك، ماذا صنعت بأموالك والعبيد، ورجالك والجنود، وبحولك العتيد، وبدهرك الشديد، هلا صانعت من عجل على السرير، وبذلت له من القنطار إلى القطمير، من أين أتيت وكنت شهما حازما، وكيف مكنت من نفسك وكنت قويا صارما، من الذي واطأ على مكروهك، وأناخ بكلكله على ملكك، لقد استضعفك من طمع فيك، ولقد جهلك من سلم بالعز لك، كلا، ولكن ملكك من أخرك وأملك، وسلبك من قدر عليك بالقهر لك، إن فيك لعبرة للمعتبرين، وإنك لآية للمستبصرين، جافى الله جنبك عن الثرى، وتجاوز عنك بالحسنى، ونقل روحك إلى الدرجات العلى، وعرفنا من خلفك خيرا وعدلا، يكثر من أجلهما لك الدعاء، وعليك الثناء، إنه على ذلك قدير، وهو عليه بصير (ذيل تجارب الأمم ٣/٧٥- ٧٧) .