للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحكى عن نفسه، أنّه مشى ثلاثة أيام، قال: ولم أطعم طعاما، ولم يكن معي فضّة ولا ذهب، فأبتاع به مأكولا، وأنفت أن استطعم، ولم أقدر على إظهار ما معي.

قال: فجلست على قارعة الطريق، وإذا برجل هنديّ، مقبل، على كتفه كارة، فحطّها، وجلس حذائي.

فقلت: أين تريد؟

فقال: الجدام الفلاني.

ومعنى الجدام: الرستاق.

فقلت له: هذا الجدام الفلاني أريد، فنصطحب.

قال: نعم.

فطمعت أن يعرض عليّ شيئا من مأكوله، قال: فحلّ الكارة، وأكل، وأنا أراه، ولم يعرض عليّ، وأنفت أن أبتدئه بالسؤال.

وقام يمشي وقد شدّها، فمشيت معه، وتبعته، طمعا في أن تحمله الإنسانية والمؤانسة على العرض «١» ، فعمل بالليل، كما عمل معي بالنهار.

قال: وأصبحنا من غد، ومشينا، فعاملني بمثل ذلك، [وظلّ] على هذا سبعة أيام، لم أذق شيئا.

فأصبحت في اليوم الثامن، ضعيفا، لا قدرة لي على الحركة، فرأيت جداما في حاشية الطريق، وقوما يبنون، وقيّما عليهم، يأمرهم.

قال: ففارقت الرجل، وعدلت إلى الوكيل، فقلت: استعملني بأجرة تعطنيها عشيا، مثل هؤلاء.

فقال: نعم، ناولهم الطين.