فقويت نفسه، ودخل المجلس، وحامد في صدر دست عظيم، برسم الوزارة، في دار الخلافة، وعلي بن عيسى عن يمينه، وبجنبه ابن الحواريّ، ونصر القشوري عن يساره، وبجنبه أبو زنبور.
فسلّم ابن الفرات، وتخطّى حتى جلس بين يدي حامد، فرفعه قليلا.
وخاطبه ابن الفرات بالوزارة، وسلّم على عليّ بن عيسى، وأدار عينه في المجلس، فعرف كلّ من فيه، إلّا أبا زنبور، فإنّه كان لغيبته بمصر، لم يشاهده قط.
فقال لمن كان إلى جانبه: من هذا؟
فقال له: هذا أبو زنبور عامل مصر.
فأحسّ ابن الفرات، بأنّه في بليّة سببها أبو زنبور. فقال: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه «١» .
قال: وكان أبو زنبور قصيرا دميما مقبّحا.
فقال أبو زنبور في الحال: لوددت أنّ الأرض ابتلعتني قبل ذلك.
قال: فقال له حامد، وعليّ بن عيسى: هذا فلان بن فلان، عامل مصر، قد ذكر أنّه كان يرفقك في كل شهر، من مال عمله، بعشرة آلاف دينار، تكون لمدة ولايتك، كذا وكذا، وما حملت لبيت المال شيئا منها، ويجب الآن عليك أداءها، فما تقول؟
فقال لهما: إنّ هذا- وأومأ إلى أبي زنبور- إن كان قد أمر بالسعاية، بوزير عامله، فكشف ستره في أيّام نكبته، وسعى بمرفق أرفقه به في حال ولايته، وأبان بذلك عن قدر عقله، وأمانته، وعقل من يركن إليه مستأنفا، فإنّه قد صدق فيما أخبر به.
ولم أكن لأرتفق هذا منه، لأدع له شيئا من مال السلطان، ولا لأمكّنه