فلما انقضت الخطبة، قيل له: اخطب على البنت الأخرى، للابن الآخر.
فكره الإطالة، لئلا يضجر الخليفة، وأراد التقرّب إليه، فحمد الله سبحانه بكلمتين، ثم قرأ آية من القرآن، وعقد النكاح.
فنهض المقتدر مبادرا لشدّة الحرّ، ووقع ذلك عنده ألطف موقع لأبي عمر.
قال: فعاد ابن الحواري إلى داره، وجئت، فجلست عنده أحادثه، وأتطايب له، وأغمز رجله.
فقال: جرى اليوم لأبي عمر القاضي كلّ جميل، ووصفه الخليفة، وقرّظه، واستحسن إطالته في الخطبة الأولى، وإيجازه في الثانية، وقال:
مثل هذا الرجل، وفيه هذا الفضل، لم لا نزيد في الإحسان إليه؟ فقرّرت مع الخليفة، بأن يزيده في أرزاقه وأعماله، كذا وكذا، فأمرني بتنجيز ذلك له من الوزير.
قال: وكان ابن الحواري، صديقا لأبي عمر.
فلما سمعت ذلك، دعتني نفسي إلى أن أستبق بالخبر، إلى أبي عمر، لأستحقّ البشارة، وأتقرّب إليه.
وطال عليّ الوقت، حتى نام أبو القاسم، فركبت دابّتي، وجئت إلى أبي عمر، فأنكر مجيئي ذلك الوقت [١٢٤ ط] ، وعلم أنّه لمهمّ، فأوصلني، فجلست، وهنّأته، وحدّثته بالحديث على شرحه.
فقال أبو عمر: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وأحسن الله جزاء أبي القاسم، ولا عدمتك.
فاستقللت شكره، وولّد لي فكرا، مع ما بان لي في وجهه من التعجّب منّي.
فلمّا خرجت ندمت ندما شديدا، وقلت: سرّ السلطان، أفشاه إلى رجل عنده فوق الوزير، فباح ذلك الرجل به بحضرتي وحدي، لا يسرّه