للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: [يا أمير المؤمنين، على أن أقول ما عندي، وأنا آمن؟

قال: نعم.

قلت] «١» : يا أمير المؤمنين، إنّ الله لو خلّد أحدا «٢» في الأرض، لخلّد محمدا صلى الله عليه، وإنّ هذه الحصون والأسوار لم توضع لسنة بعينها، ولا لأيّام خليفة بعينه، وإنّما جعلت لتبقى على الدهور، وتدفع عن أهلها في أيّام كل ملك، سائسا كان أو متوانيا.

ولو كنّا نثق بحياة أمير المؤمنين أبدا، ما سألناه خلاف ما يراه، ولو كنّا نثق أنّ من يلي أمور المسلمين بعده يكون لهم، باهتمامه بمصالحهم، [١٨١ ط] وسياسته لخاصّتهم وعامتّهم، مثله، لسهّل ذلك علينا المصيبة بفقدان السور الذي لا عوض عنه، ولو كان من يتقلّد بعده، مثله، لما كان لنا في ذلك عزاء عن السور، فإنّا لا نأمن من إهمال من يجيء بعد ذلك الخليفة أيضا، أن تشغله حادثة عنّا، تمنعه من مصالحنا، فنكون نحن دريّة «٣» لسيوف الروم، ورماحهم.

وإنّك يا أمير المؤمنين إن هدمت هذا السور، بقي بلدنا ما دمت حيا، ثم خرج عن أيدي المسلمين بعدك، وقتلتنا الروم، وسبت ذرارينا، وصليت بإثمنا في القيامة، وعارنا في الدنيا، فالله، الله، فينا، فقد صدقتك يا أمير المؤمنين، والأمر إليك بعد ذلك.

قال: فنكّس المعتضد رأسه ساعة، ثم رفعه، وقد بكى.

وقال: فكيف أعمل، وقد سبق قولي بأنّي أهدمه؟

فقلت له: تعمل الفعلة في هذا اليوم فقط، فيكون في ذلك إبرار